انّ الإعلان عن ​صفقة القرن​ من جانب الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، ورئيس حكومة العدو بنيامين ​نتنياهو​، لا يعني انّ الظروف اليوم هي لمصلحة فرضها على الشعب ال​فلسطين​ي، بل انّ الظروف اليوم باتت تصبّ في صالح سقوط الصفقة، فهي ولدت ميتة.. ذلك أنّ إفشال وإحباط الصفقة تمّ منذ عقد ورشة ​البحرين​ الاقتصادية لتسويقها.. والفشل كان بفعل الموقف الفلسطيني الموحد في رفض المشاركة في الورشة.. واليوم فإنّ إعلان الصفقة بكلّ عناوينها يأتي في ظلّ ظروف باتت لمصلحة خيار المقاومة، للأسباب التالية:

أولاً، الموقف الفلسطيني الموحد في رفض الصفقة، والعمل على إسقاطها، لم يتبدّل بل أصبح أكثر تماسكاً ومرشحاً للتطوّر إلى أبعد من مجرّد الرفض، في ظلّ المطالبة فلسطينياً بانسحاب قيادة منظمة التحرير من اتفاق أوسلو، الذي دفنه العدو الصهيوني الأميركي، بعد إطلاق الرصاصة الأخيرة عليه بإعلان الصفقة، في حين انّ المقاومة في غزة باتت أقوى مما كانت عليه، في أيّ مرحلة سابقة، حيث فرضت، لأول مرة على أرض فلسطين، معادلة ردع مع العدو الصهيوني، الذي اخفق في كلّ محاولاته للقضاء عليها، او إخضاعها..

ثانياً، ليس هذا وحسب، بل انّ المقاومة في غزة تستند إلى دعم ومساندة محور المقاومة الذي أحبط كلّ المخططات الأميركية الصهيونية العربية الرجعية، وتحوّل الى جبهة موحدة متماسكة، من ​بيروت​، مروراً بدمشق و​بغداد​ و​اليمن​، وانتهاء ب​إيران​ الثورة… وهذه الجبهة لمحور المقاومة أوجدت بيئة جديدة تحاصر كيان الاحتلال الصهيوني، وتشلّ قدرته، وقدرة الإمبراطورية الأميركية، على شنّ الحرب ضدّ ايّ طرف من أطراف محور المقاومة، خوفاً من اشتعال حرب واسعة في كلّ المنطقة تغرق ​القوات الأميركية​ في مستنقع من الاستنزاف لا تستطيع تحمّله.. فيما كيان الاحتلال سيتحوّل إلى ساحة حرب تنهمر عليه ​الصواريخ​ بكثافة، من كلّ الجهات.. الأمر الذي فاقم مأزق الكيان وأزمته البنيوية، وزاد من عجز وتآكل قوته الردعية..

ثالثاً، انّ ​واشنطن​ و​تل أبيب​، والأنظمة العربية الرجعية المتآمرة على قضية فلسطين، كانوا يخططون للإعلان عن صفقة القرن، فور نجاح مخططهم الإرهابي في إسقاط ​الدولة​ الوطنية السورية، وكسر ظهر محور المقاومة، وإعادة فرض الهيمنة الأميركية على ​العراق​، لكن ما حصل انّ هذا المخطط مني بالفشل، بفعل انتصار سورية والعراق على قوى الإرهاب، في حين خرجت المقاومة في ​لبنان​ من الحرب ضدّ القوى الإرهابية وهي تحوز على خبرات قتالية كبيرة، وتملك قدرات مضاعفة، كمّاً ونوعاً، عما كانت عليه خلال حرب ٢٠٠٦.. الأمر الذي بدّد الرهان الأميركي الصهيوني على خلق حالة من الإحباط واليأس والاستسلام لتمرير صفقة القرن..

انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول إنّ موازين القوى، ليست لمصلحة فرض صفقة ترامب نتنياهو.. ففي ظلّ تنامي قوة محور المقاومة وانتصاراته، وتجذر ​المقاومة الفلسطينية​، لا يستطيع كيان الاحتلال و​الولايات المتحدة​ فرض الاستسلام على ​الشعب الفلسطيني​.. بينما ادّى الإعلان عن الصفقة، الى إحداث تحوّل في الساحة الفلسطينية، تجسّد بوحدة الموقف الوطني والشعبي.. الأمر الذي يوفر شروط اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة كلّ ​فلسطين المحتلة​ ضدّ الاحتلال، خصوصاً انّ العرب ​الفلسطينيين​ في الأرض المحتلة عام ١٩٤٨ تشملهم الصفقة بترانسفير، وهو ما دفع الفاعليات الفلسطينية هناك إلى التداعي لبحث سبل مواجهة هذا المخطط الصهيوني المدعوم أميركياً..

إنّ إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني في التصدّي لهذه المؤامرة، التي تستهدف تصفية حقوقه الوطنية لمصلحة المشروع الصهيوني، يجعل من المستحيل تكرار نكبة عام ٤٨.. وفي المقابل فإنّ الأنظمة المتآمرة لم تعد بموقع القوة بعد تراجع نفوذها، نتيجة أمرين:

الامر الأول، فشل الحرب ضدّ اليمن في تحقيق أهدافها، بفعل الصمود الأسطوري لمقاومة الشعب العربي اليمني، مما أدّى إلى إضعاف الدور الإقليمي للحكومة السعودية، وتراجع نفوذها، ومعروف انّ حكام السعودية لعبوا دوراً خطيراً على مدى عقود الصراع العربي ـ الصهيوني، في التآمر ضدّ الأنظمة التقدمية، وضدّ حركات التحرر العربية، والقوى المقاومة للاستعمار والاحتلال..

الأمر الثاني، انّ انتصارات محور المقاومة أوجد ميزان قوى جديداً، كسر هيمنة الأنظمة الرجعية التابعة للمستعمر الأميركي.. وبالتالي لم تعد الأنظمة الرجعية قادرة على التفرّد بالقرار، أو محاصرة المقاومة الفلسطينية وابتزاز ​فصائل المقاومة​ بالمساعدات المالية لتطويعها وإخضاعها..