اذا كانت القوى السياسية لا تقدر أن تحدّد عُمر الحكومة، لأسباب لها علاقة بطبيعة عمل ​مجلس الوزراء​، وقدراته الإنتاجية، والتعاطي السياسي والشعبي مع الحكومة الحالية، فإن رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ دأب في الأيام الماضية على الحديث عن فترة "ثلاثة إلى أربعة أشهر" كفرصة أمام الحكومة لتحقّق الإنقاذ. مما إستدعى طرح سؤال: ماذا لو فشلت الحكومة في تحقيق إنجازات على طريق الإنقاذ المطلوب؟.

يرى مراقبون أن كلام بري لم يأتِ عن عبث، "فهو إمّا يحث الحكومة على العمل المنتج، وإما يغازل رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، بأنه سوف يسحب تغطيته عن الحكومة بعد أربعة أشهر". ويقول المراقبون ذاتهم إن "رئيس المجلس النيابي يعلم جيداً أن ​الأزمة​ الإقتصادية كبيرة، وليس بمقدور الحكومة الحالية تحقيق الإنقاذ بسبب المعوّقات التي تواجهها، بغياب الدعم المالي الخارجي". ويتوسّع المراقبون في تفسيرهم بأن العواصم الخارجية تشترط وجود إصلاح جذري لمساعدة ​لبنان​، وهي تدابير مؤلمة شعبياً قد تولّد ردود فعل واسعة، أو تشكّل ذرائع للقوى السياسية المعارضة للإنقضاض على الحكومة، مستعينة بما تبقّى من حراك الشعبي.

فهل ان برّي كرّر عبارته عن تحديد مهلة أربعة أشهر لإستباق أحداث مقبلة يستشرف محطاتها؟ هي ضربة استاذ لإصابة عصفورين بتحذير واحد. رغم أن برّي هو أكثر المستفيدين من وجود الحكومة الحالية، فهو الوحيد الذي فرض فيها وزيراً حزبياً ينتمي لحركة "أمل"(وزير ​الزراعة​ والثقافة ​عباس مرتضى​)، رغم عدم تطابق مواصفاته مع أي من الحقيبتين. وهو نال ايضاً ثلاث حقائب وزارية. لكن بري لاعب سياسي يبرهن في كل مرة عن حنكة، بانت في الايام الماضية في إنقاذ جلسة ​الموازنة​ بحضور نواب من كتل "المستقبل" و"​اللقاء الديمقراطي​" و"الوسط"(كتلة ميقاتي).

يقول مطّلعون أن برّي لا يزال يؤيد عودة الحريري ل​رئاسة الحكومة​، رغم كل التعاون الذي أبداه رئيس الحكومة ​حسان دياب​ معه، لعدة أسباب: يستطيع رئيس "المستقبل" ضبط شارع سنّي لا يزال يقطع الطرقات بين الحين والآخر. كما يعتقد المقرّبون من بري ان الحريري يستطيع حشد دعم دولي مالي ومعنوي أكثر من أي رئيس حكومة آخر، وخصوصاً في ​أوروبا​ و​روسيا​ و​الولايات المتحدة الأميركية​ و​الخليج​ العربي. كما يظن المقرّبون من بري أن الحريري بات خبيراً في تسوية الأمور السياسية العالقة في لبنان.

لكن مشكلة الحريري تكمن في أن ​السعودية​ لم تعد داعمة له، كما كانت سابقاً. وهو أمر يُفترض برئيس المجلس النيابي ان يكون تنبّه له. واذا كانت ​الرياض​ تتفرج، فيعني ان كل عواصم الخليج ما عدا ​الدوحة​ لن تتدخل في دعم لبنان. أما قطر فلن تتصرف بمعزل عن إشارة أميركية للتدخل في لبنان، وهو أمر لا يمكن توقّعه الآن بوجود ضغوط أميركية على ​بيروت​ تتعلق ب​حزب الله​ و​صفقة القرن​ التي يحاول الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ أن يفرضها حالياً على شعوب ​الشرق الأوسط​.

في كل الحالات، فإن ما اطلقه بري بشأن الفترة الزمنية لا يمكن ان يأتي عن عبث. بل هو يهدف من خلال تصريحاته المشفّرة ان يوصل رسالة. فهل يكون معناها: يا سعد إستعد؟ هناك من يقول ان حضور كتلة "المستقبل" الى ​جلسة مجلس النواب​ الاخيرة المخصصة لإتمام النصاب القانوني للجلسة لم يكن ليتمّ لولا إتفاق ضمني بين بري والحريري. قد تكون تصريحات رئيس المجلس النيابي التي أتت خلال الجلسة وبعدها تصبّ في هذا السياق.