يُطِلُّ علينا عيدُ دُخولِ السَّيِّدِ إلى الهَيكَلِ في الثّاني مِن شَهرِ شباط. مَن يتابعُ تسلسلَ الأعيادِ الكَنسيَّةِ بِحسبِ السَّنةِ الطَّقسيَّةِ التي تبدأ في الأوَّلِ مِن شهر أيلول يُفاجَأ.

كيفَ بعد أن احتفَلْنا بعيدِ الظُّهورِ الإلهيّ، حيث كان الرّبُّ بِعُمرِ الثَّلاثينَ سنةً، نَعودُ ونَراهُ طِفلًا على يدَي سِمعانَ الشَّيخ؟.

معروفٌ أنّ تواريخَ الأعيادِ لَها أَسبابُها، وقد أتى بعضُها لِيَحُلَّ مَكانَ أعيادٍ وَثنيَّة. ونَحنُ مَدعوّونَ لِنتعرَّفَ بِمَقصدِها إِذ الأعيادُ بِعُمقِها اللاهوتيّ مُرتَبِطةٌ بعضُها بِبَعض، وتُتَرجِمُ التَّدبيرَ الإلهيَّ الّذي أعدَّه اللهُ لِخلاصِنا.

هذا العيدُ هُو عيدُ اللّقاء. وبِهذا نتكلَّمُ على فَرادَةٍ مسيحيَّة صِرف: اللهُ صارَ إنسانًا دونَ أن يفقِدَ شيئًا مِن أُلوهيَّتِه.

إنّهُ لقاءُ المحبَّةِ الكامِلة، ومَا أجملَ هَذا اللّقاء. لقاءُ اللهِ معَ الإنسانِ، ولِقاءُ النُّبوءاتِ معَ مُحقِّقِها. الهيكَلُ الحَجَريُّ أصبحَ خَلفَنا، وأصبحنا نحن بالرّبِّ الدَّاخلِ إليهِ اليومَ، هياكِلَ الرُّوحِ القُدُس. هنا الجَوهرُ، لِنفحَص ذواتَنا. هل قلبُنا مِن لَحمٍ أو مِن حَجر؟ هل نحن بناءُ الله الذي نَحتَهُ بِيَدِهِ أو بِناءٌ مُهترئٌ تنخُرُهُ الخطيئةُ، ويتكَدَّسُ فيه العَفَن؟. لقد أتى الرَّبُّ إلينا ليُعِيدَ لنا هُويَّتَنا السَّماويَّة، وليس لِنبقى قَابِعينَ في ظِلالِ المَوت. أتى لينتَشِلَنا مِن ترابيَّتِنا لِنكونَ آلهةً بالنِّعمة. سمعانُ تهلَّلَ بِالرُّوح. ها هُوَ يَحمِلُ مَن انتَظَره سنينَ طِوال، ويَلتقي بِمَن كانت روحُهُ تَلهَجُ به. فانطلَقَ لسانُه يُنشِدُ خَلجاتِ قلبِه، ويشدو نشيدًا تتناقله الأجيال. إنّه نشيدُ العُبورِ مِنَ السُّفليَّاتِ إلى العُلويّات، ومِنَ الظُّلمةِ إلى النُّور. لذا تَختُمُ الكنيسةُ صلاةَ الغُروبِ بهذا النَّشيدِ لتَقول: تَبدَّدَ غُروبُ حياتِنَا وأشرقَ عَلينَا النُّورُ المُحيي، وها بِتنَا جاهزِينَ لنُنشِدَ مع صاحبِ النَّشيد: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ"(لوقا ٢٨:٢-٣٢).

قبل أن نَغرِفَ مِن هذه الكلماتِ النُّورانيَّة، لا بُدَّ أن نُوضحَ أنّ كلمَةَ "​إسرائيل​" في الكتابِ المُقدَّسِ لا تتكلَّمُ على دَولةٍ، بَل تُشيرُ إلى كلِّ إنسانِ تَعلَّقَ باللهِ ولم يَترُكْه، أي اتَّخَذَ اللهُ إلهًا لَهُ قلبًا وقالبًا.

ثلاثةُ مَحاورَ في النَّشيد:

١-أن يُطلَق بسلام، مَن يجرؤ منّا أن يقولَ: أنا جاهِزٌ لأَنطَلِقَ مِن هذهِ الحَياةِ وأقفَ بِالكُليَّةِ أمامَكَ يا رَبّ؟ أمرٌ صعبٌ للغَايةِ لَكنَّهُ آتٍ عَاجِلًا أم آجلًا لا مَحالة. ألا نَستَعِدُّ له إذًا بالتَّوبةِ والتَّنقيةِ الدَّاخليّةِ وأعمالِ الرَّحمةِ الصَّادِقَة؟.

٢-أبصَرَ الخَلاصَ: هَل نحنُ أيضًا نُبصِرُ أم لنا عيونٌ ولا نرى؟ الخَلاصُ هو يسوعُ الفادي ولا أَحَدَ غيرَه، فَهَل ما زِلنا نبحثُ عَن مُخلِّص؟.

٣-نورٌ ومَجد: "الشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا"(إش ٢:٩). هذه هي تَعزِيَتُنا. ويجب ألاّ يَغفَلَ عن ذِهنِنا أنَّ لنا مجدًا إلهيًّا أعدَّهُ اللهُ لنا مِن قَبلِ تَأسيسِ العَالَمِ، "لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ"(أفسس ٤:١).

خِتامًا، الهيكلُ المَصنوعُ بِيَدِ إنسانٍ يأخُذُ بِهذا العِيدِ بُعدَهُ الحَقيقيّ، وسيُصبحُ "الْمَسْكَن الأَعْظَم وَالأَكْمَل، غَيْر الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ"(عب١١:٩).

فَتَعالَ يا رَبُّ وأدْخُلْ هيكَلَ نُفوسِنا لِنُصبِحَ نحنُ هيكلَكَ أنت.