أعلن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ عما يسمى بخطة سلام في ​الشرق الأوسط​ وإلى جانبه وقف رئيس وزراء العدو ال​إسرائيل​ي بنيامين نتنياهو، متفاخراً بحضور وتصفيق لافت لوزراء خارجية دول البترودولار العربية، في مشهد أقل ما يقال فيه إنه استعراض هوليودي استفز مشاعر العرب مسلمين ومسيحيين، ضارباً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، معلناً عما يسمى ب​صفقة القرن​ للسلام بين ال​فلسطين​يين والعدو الإسرائيلي، وكأن تحقيق السلام يحتاج إلى اغتصاب إسرائيل لمزيد من الأرض الفلسطينية وهدر الحق الفلسطيني وطمس ​القضية الفلسطينية​، وإعلان المدينة المقدسة عاصمة للكيان الصهيوني بصفقة وصفت بجريمة اغتصاب القرن لأنها تسقط من الذاكرة والخريطة وطناً عربياً تاريخياً اسمه فلسطين.

وبغض النظر عن حفلة الاستنكار والشجب التي لا تلغي ​الضوء​ الأخضر الممنوح للعدو الإسرائيلي وبتواطؤ عربي فاضح الوغول في اغتصاب الحق الفلسطيني، فإن الإعلان عن خطة الصفقة سيكون بمنزلة إلغاء للشرعة الدولية ولقرارات الأمم المتحدة، الناتج عن وهن الموقف العربي، وخصوصاً بعد بروز مواقف عربية صريحة داعية للبحث الجدي في بنود الصفقة، وتحول المحتل الإسرائيلي من عدو محتل إلى حليف إستراتيجي، وتحول العداء نحو كل من قاوم الاحتلال الإسرائيلي نصرة للحق وللقضية الفلسطينية وآمن بهوية القدس العربية عاصمة لفلسطين.

فلسطين صارت عبئاً رابضاً على صدور بعض العرب لأن الحفاظ على هذه الدولة يلغي شرط قيام دولهم، أما التضحية بفلسطين ومقدساتها فهو شرط لبقائهم بمرتبة نواطير من أجل تأمين مصلحة الأميركي والإبقاء على إسرائيل ضماناً لبقاء عروشهم.

وللبحث المعمق في محتوى خطة السلام – الصفقة، المزعومة، يتبين لنا مدى الاستخفاف المذل ودرك الهوان بالحق العربي ونسجل الآتي:

‎أولاً: تتجاهل الصفقة بكل مندرجاتها القانون الدولي ولاسيما القرار 242 وفي مقدمه إعلان عن عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.

‎ثانياً: تكريس دولة الفصل العنصري الأبارتهايد وذلك بإرغام الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية الدولة أي أن يكونوا درجة ثانية وثالثة في وطنهم.

‎ثالثاً: حرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير بنزع السيادة عن أجوائهم وأرضهم وحتى مقدساتهم وممتلكاتهم.

‎رابعاً: تكريس المستوطنات وتشريعها وهي مخالفة واضحة للقانون الدولي.

‎خامساً: استفزاز ​العالم العربي​ برمته بمسلميه ومسيحييه بإعلان السيطرة على الأماكن المقدسة والسماح للمسلمين ب​الصلاة​ بأوقات يحددها الاحتلال فقط وإبقاء السيادة للإسرائيليين.

‎سادساً: إنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية عملياً وإبقاؤها شكلياً لأنه لا معنى للوصاية حين تكون القدس وأماكنها المقدسة خاضعة للسيادة الإسرائيلية.

سابعاً: خداع الفلسطينيين بإعلان ​القدس الشرقية​ عاصمة لدولة فلسطين وليس القدس نفسها كما يطالب ​الفلسطينيون​، علماً أن العاصمة المقترحة للدولة الفلسطينية تقع في حي أبو ديس أو شعفاط أو ​سلوان​ خارج نطاق القدس العقاري.

ثامناً: ‎تشريع ضم غور ​الأردن​ وضم المستوطنات إلى إسرائيل وهذا مخالف للقرارات الدولية ويصيب الفلسطينيين بمقتل لأن غور الأردن هو عبارة عن سلة فلسطين الغذائية و​الثروة المائية​.

تاسعاً: إغفال مسألة ​اللاجئين الفلسطينيين​ في الشتات وطمس ​حق العودة​ المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194.

عاشراً: تضمين الخطة ​القضاء​ على حماس و​الجهاد الإسلامي​، أي افتعال حرب أهلية فلسطينية من أجل ضمان تنفيذ صفقة القرن.

لا غلو بالقول إن كل ​التظاهرات​ والبيانات المستنكرة للصفقة تبقى عاملاً مناصراً ليس إلا، بيد أن التعويل الأساسي يبقى على انتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني صاحب القضية وصاحب الأرض والوطن، فالتاريخ أثبت أنه ما من محتل في العالم أذعن لمطالب أصحاب الأرض إلا بعد انتفاضة ومقاومة شرسة دفاعاً عن الحقوق والوطن وأنه ليس من إبل تورد بالمفاوضات.

انطلاقاً من الواجب القومي العربي وقبل ضياع فلسطين والتفريط بحق الفلسطينيين نتوجه إلى الإخوة الفلسطينيين بضمير عربي خالص للقول:

كفاكم مبادرات واهية لا طائل منها وكفى تعويلاً على مفاوضات عقيمة مع عدو محتل للأرض ومغتصب للحقوق ولن يفيدكم انتظار دعم دول عربية شاركت بكل وقاحة في حفل إعلان صفقة القرن، ولا تنتظروا خيراً ولا دعماً يأتيكم من مجالس فولوكلورية ل​جامعة الدول العربية​ تلك الدول نفسها التي تواطأت وتآمرت على سورية العروبة ولبنان المقاوم والعراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وإيران وعلى كل من ناصر القضية الفلسطينية إرضاء للأميركي والصهيوني.

انطلاقاً مما تقدم واحتراماً للتاريخ الفلسطيني المقاوم نقول: إن مقتل العدو المؤكد يكمن بانتفاضتكم ومقاومتكم لأنها تشكل صيباً نافعاً ودرباً ناجعاً يلهم الشعب العربي وشعوب العالم مؤازرة نضالكم ونصرة لكم وسنداً لقضيتكم حتى تحقيق الهدف المنشود وهو التحرر.

انفصام العرب عن الواقع ترجم يوم أمس باجتماع وزراء خارجية دول مجلس ​الجامعة العربية​، فالرئيس الفلسطيني الأخ ​محمود عباس​ ورغم إعلانه بأن تاريخه لن يسجل عليه التفريط بفلسطين وبالقدس، ها هو يعلن على الملأ في اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية أنه لم يزل متمسكاً بمبدأ المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وبأنه أبلغ الرئيس الأميركي موافقته على قيام دولة فلسطينية منزوعة ​السلاح​ لأنه لا يؤمن بالسلاح ولا بالكفاح المسلح سبيلاً لنيل الحقوق المغتصبة، متجاهلاً العودة إلى ​القاعدة​ الذهبية القائلة إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوه وخصوصاً ضد عدو لا يفهم إلا لغة القوة، تماماً كما حصل في لبنان عام 2000 حيث نجحت ​المقاومة​ بتحرير ​جنوب لبنان​ من المحتل الإسرائيلي ما اضطره للانسحاب من جنوب لبنان بعد تكبده الخسائر البشرية الفادحة جراء ضربات المقاومة الناجحة.

بالأمس وفي كلمته باجتماع وزراء الخارجية العرب بدا الأخ محمود عباس وكأنه يتلو فعل الندامة المتأخرة مرفقة بجردة حساب خاسرة بدءاً من أوسلو وانتهاء بصفعة القرن.

تغاضى الأخ محمود عباس في كلمته عن مشروعية الشعب الفلسطيني بالمقاومة بكل أشكالها ضد المحتل، وتناسى الأخ أبو مازن بأن مقاومة الاحتلال واجب إلهي مقدس ومحتسب عند اللـه وأنها السبيل الوحيد للحصول على الحقوق الفلسطينية، وبأن المقاومة هي السمت الصحيح لتحرير الأوطان ولإجبار قوى الاستكبار والاحتلال الصهيوني التراجع عن قرار اطهاد الشعب الفلسطيني، كما أن المقاومة وفي كل حقبات التاريخ قد أثبتت أنها الوسيلة الوحيدة لبتر التواطؤ والمساومة على الحقوق، وتجلب تأييد واحترام شعوب العالم وتلزم الشرعة الدولية بتنفيذ قراراتها نزولاً عند إرادة شعب مقاوم ساعياً لتحرير أرضه من الاحتلال واستعادة الحق المغتصب ولو بالقوة.

للأخ محمود عباس أبي مازن نقول: صوناً للحق الفلسطيني والعربي واحتراماً لإرادة الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي، اسحب اعترافك بدولة إسرائيل وأعد تفعيل بند الكفاح المسلح لميثاق منظمة التحرير، وأطلق سراح المناضلين الفلسطينيين المعتقلين في سجون سلطتكم، وأوقف كل أشكال التعاون الأمني مع العدو الإسرائيلي، وكفّ عن ملاحقة الثائرين الفلسطينيين لتسليمهم إلى سلطات العدو الإسرائيلي، واعترف اعترافاً صريحاً بجرأة وشجاعة القائد بأنك أخطأت بحق فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني خطأ تاريخياً باعترافك بدولة إسرائيل وفي رهانك على التفاوض مع العدو الإسرائيلي منذ اتفاق أوسلو ولم تزل.

الأخ محمود عباس: إن جهودك السلمية كانت سلبية النتائج لم تؤت أكلها، سمحت للعدو الإسرائيلي استكمال عملية الاغتصاب لأرض فلسطين ومقدساتها بعد السكوت عن ممارسة سياسة الفصل العنصري بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض وشعورهم بالذل والهوان.

الأخ أبو مازن: احتراماً لتاريخك ولو شابه أخطاء سجلت في تاريخكم وتحسب عليكم، واحتراماً لتاريخ منظمة التحرير الفلسطينية النضالي المؤمن بالبندقية سبيلاً لمقاومة المحتل وسلاحاً لا بد منه لتحقيق التحرر، تنحَ جانباً بعد أن تعتذر للشعب الفلسطيني عن خياراتك الكارثية، واترك للمؤمنين بأن المفاوضات بلا بندقية هي استسلام، وأن التخلي عن المقاومة والجنوح نحو النضال السلمي هو عبارة عن وهم وسراب وخيانة لا ينتج سوى المذلة والمهانة، وأن القاعدة الذهبية التي تؤتي أكلها بكل الفصول تكمن بالعودة إلى الكفاح المسلح ضد العدو المحتل لأنه الطريق السليم الذي يترجم قول الحق بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بالمفاوضات بل يسترد بالقوة، والإذان بإطلاق انتفاضة فلسطينية عارمة رفضاً لكل الصفقات والاتفاقات والتمسك بالحق الفلسطيني ما يحقق أماني الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية عربية الهوية وعاصمتها القدس الشريف.

الأخ أبو مازن: تنحَ الآن قبل أن يأتي عليك يوم تجد فيه مناضلاً فلسطينياً حاملاً بيده حجارة الانتفاضة وبندقية المقاومة بيده الثانية ليطلب إليك التنحي صارخاً: أبو مازن لقد تأخرت.