عشيَّة الاحتفال بالذِّكرى الأُولى لتوقيع قداسة ​البابا فرنسيس​، وشيخ الأَزهر أَحمد الطيِّب، في أَبوظبي، في الرَّابع من شباط الجاري 2019، "وثيقة الأُخوَّة الإِنسانيَّة"، برعاية الشَّيخ محمَّد بن زايد آل نهيان ولي عهد أَبوظبي، "أَطبق الرَّئيس الأَميركيُّ ​دونالد ترامب​، على "وثيقة أَبوظبي"، بإِطلاق "​صفقة القرن​".

فقد أَعلن ترامب، الثُّلاثاء الماضي، مُقترحه الخاصّ بـ"صفقة القرن"، واصفًا إِيَّاه بـ"حلٍّ واقعيٍّ بدولتين" للنِّزاع الفلسطينيِّ الإِسرائيليِّ، يشترط إِقامة دولةٍ فلسطينيَّةٍ "ترفض الإِرهاب في شكلٍ صريحٍ"، وتجعل ​القدس​ "عاصمةً لا تتجزَّأُ لإِسرائيل".

وبمُوجب مُقترح ترامب، تبقى "القُدس عاصمةً غير مُقسَّمةٍ لإِسرائيل، ويُمكن أَنْ تكون ثمَّة "عاصمة فلسطينيَّة في القُدس الشَّرقية"، وقد اعتُبر هذا البند تحدِّيًا لمشاعر المشرقيِّين، من مُسلمين ومَسيحيِّين.

وما زاد في الطِّين بلَّةً، ما أَعلنه ترامب عن استعداد ​واشنطن​ "للاعتراف بالسِّيادة الإِسرائيليَّة على أَراضٍ مُحتلَّةٍ" لم يُحدِّدها.

وعلى قاعدة "الجزرة والعصا"، جاء في مُقترح ترامب: "مع مُرور الوقت، سيعمل الفلسطينيُّون مع الولايات المُتَّحدة وإِسرائيل، لتحمُّل المزيد من المسؤُوليَّة الأَمنيَّة، حيث تُقلِّل إِسرائيل من بَصْمتها الأَمنيَّة"(الجزرة). وأَمَّا "مُعارضة هذه الرُّؤْية، فتعني دعمًا للوضع الرَّاهن اليائِس الَّذي هو نتاج عقودٍ من التَّفكير القديم"(العصا).

وثيقة الأُخوَّة الانسانيَّة

بيد أَنَّ "مُقتَرَح" ترامب، لا يُشكَّل مدخلا سليمًا، لما ورد في مُقدِّمة "وثيقة الأُخوَّة الإِنسانيَّة مِن أَجل السَّلام ​العالم​يِّ والعيش المُشترك"، ولا يُخفِّف من "الآلام الَّتي يُعاني منها الكثير مِن إِخوتنا وأَخواتنا، في مناطق مُختلفة من العالم، نتيجة... الظُّلم الاجتماعيِّ، و​الفساد​، وعدم المساواة، والتَّدهور الخُلقيِّ، والإِرهاب، والعُنصريَّة والتَّطرُّف، وغيرها من الأَسباب الأُخرى"، بدليل الإِجماع العربيِّ على رفض "الصَّفقة" المُفخَّخَة بالتَّوطين، وبحرمان الشَّعب الفلسطينيِّ من حقِّ العودة.

و"قيم السَّلام وإِعلاء قيم التَّعارف المُتبادل والأُخوَّة الإِنسانية والعيش المُشترك..." المُشار إِليها في وثيقة أَبوظبي، لا تجد ترجمةً لها في "مُقترح ترامب".

وكذلك فإنَّ "حِماية دُور العبادة، مِن معابد وكنائس ومساجد، واجبٌ تكفله كلُّ الأَديان والقيم الإِنسانيَّة والمواثيق والأَعراف الدَّولية، وكلُّ مُحاولةٍ للتَّعرُّض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أَو التَّفجير أَو التَّهديم، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأَديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدَّوليَّة"، على ما جاء في "وثيقة الأُخوَّة".

وعليه، لا يكفي مجرَّد الاكتفاء بدعوة "جميع المُسلمين إِلى زيارة المسجد الأَقصى"، على ما جاء في مقترح ترامب، فالكلام المُنمَّق لا يُعطي الفلسطينيِّين حقًا كاملاً، ولا هو يخلق ثقةً مع العرب المَشرقيِّين!... وما يخلق الثِّقة إِنَّما هي دعوة الفلسطينيِّين إِلى العودة إِلى وطنهم.

وفي أَيِّ نِزاعٍ، فإِنَّ التَّوافق بين الوسيط وأَحد الفريقين المُتنازعَيْن، على مُقترحاتٍ تسوويَّةٍ، لا يعني بالضَّرورة أَنَّ الفريق الآخر يُؤَدِّي دور المُتعنِّت، وإِنَّما يعني ذلك أَنَّ الوسيط ينقصه قدرٌ من النَّزاهة، وأَنَّ المُقترح المُقدَّم لا يتَّسم بالعدالة، خلافًا لما شدَّدت عليه "وثيقة أَبوظبي" لناحية "العمل على ترسيخ الحُقوق الإِنسانيَّة العامَّة المُشتركة، بما يُسهم في ضمان حياةٍ كريمةٍ لجميع البشر، في الشَّرق والغرب، بعيدًا من ​سياسة​ الكيل بمكيالين".

ولقد ورد في ختام "وثيقة الأُخوَّة الإِنسانيَّة المُبرمة في أَبوظبي: "هذا ما نأْمله ونسعى إِلى تحقيقه، بُغية الوصول إِلى سلامٍ عالميٍّ ينعم به الجميع في هذه ​الحياة​". فهل مقترح ترامب، يرسم الطّريق إلى ذاك السّلام العالميّ المنشود؟.