منذ أشهر يحدّثنا السياسيون والمسؤولون عن إجراءات موجعة لا بد من التوجه إليها للإنقاذ، ولكن حتى اليوم لم تصبح هذه الإجراءات واضحة، ولا حتى خطّة الإنقاذ المفترضة. نعم في كل أسبوع نعيش إجراءً اقتصاديا مصرفيا جديدا ولكننا لا نعلم ما إذا كان هذا الإجراء هو من ضمن السلّة المقترحة لدعم الحلول، أو أنه من الأضرار الجانبيّة للأزمة الماليّة التي نعيشها.

منذ أعوام هناك من قال، وربما الشعب بأكمله يوافقه، أننا نقبل "التقنين" القاسي للكهرباء والاعتماد على ​المولدات​ رغم فاتورتها المرتفعة لمدة عامين، بشرط أن ننعم بعد ذلك بكهرباء 24 على 24 ساعة، فاتجهنا نحو التقنين القاسي ودفعنا الفواتير الباهظة، وبدل العام انتظرنا لأعوام، ولم ننعم ب​الكهرباء​ بعد، ما يعني أنّ ما نعانيه اليوم قد يكون نسخة مكرّرة عمّا عانيناه بملفّ الكهرباء، وما نتحمّله، أو سنتحمّله من إجراءات "موجعة" قد لا يصل بنا الى ضفّة الأمان الاقتصادي والمالي.

مع بداية شهر شباط عمّمت بعض ​المصارف​ شروطا جديدة لتسليم ​الدولار​ الى المودعين لديها، فأحدها، أعلن عن دفعتين شهريا بالدولار بعد أن كانت دفعة أسبوعيّة، أي اربع دفعات شهرية، وحدد قيمة السحوبات بـ600 دولار شهريا لمجمل الودائع أقل من 100 ألف دولار أميركي، و1000 دولار شهريّا لمجمل الودائع الأقل من مليون دولار، و2000 دولار شهريا للودائع التي تفوق المليون دولار. كما حدّد قيمة السحوبات ب​الليرة​ ال​لبنان​يّة بمبلغ 25 مليون شهريا.

مصرف آخر كان أقلّ "كرما"، فحدّد 400 دولار شهريًّا لمن يملك أقل من 10 الاف دولار بحسابه، الأمر الذي ينطبق على السواد الاعظم من ​الشعب اللبناني​. إن هذه الإجراءات التي يُتوقع بحسب متابعين أن تشتدّ بالشهر المقبل، وقد تصل الى حدّ التوقف عن تسليم الدولار، تأتي بظلّ غياب خطة اقتصاديّة وماليّة واضحة، فهل المطلوب أن نموت ببطء، أم أن يتحمل فقراء لبنان وزر ​الأزمة​، بينما نقل أغنياء البلد أموالهم الى الخارج ولم نكتشف، من وكيف ولماذا ومتى؟.

الأصعب من كل هذا هو ما قالته مصادر مصرفيّة عبر "النشرة" عن أن إجراءات المصارف لا علاقة لهابما هو موجعوما يتحدث عنه المسؤولون، فهم يقصدون رفع الدعم عن الكهرباء، وزيادة الرسوم على ​المحروقات​، وامور اخرى على علاقة ب​الضرائب​، التوظيف، تعويضات نهاية الخدمة، الترقية وزيادة الدرجات، وغيرها من الأمور، مشيرة الى أن إجراءات المصارف تأتي لمنع الانهيار المالي، بينما واجب ​الحكومة​ و​الدولة​ استعادة الثقة والنهوض، وعندها تكون البنوك عاملا مساعدا للحكومة.

يقول المثل "اشتدّي يا أزمة تنفرجي"، ولكن في لبنان لا يبدو الفرج قريبا، بل على الأغلب لا تبدو الأزمة قد بلغت أقصى "شدّتها"، ما يجعل الجميع أمام مسؤوليّة تاريخيّة، ولا سيما الحكومة المدعوّة الى تحقيق خرق ما يُنير ضوءا في نهاية نفق لم تظهر بعد أمام أعين اللبنانيين.

لا مشكلة إن كان ​الضوء​ خافتا، ولكنه على الأقل يُعطي بعض بصيص الأمل بإمكانية الوصول الى نهاية النفق. الحكومة مدعوّة للإعلان عن خطّتها وجدولها الزمني، لأنّ الانتظار لم يعد واردا، وقصائد الشعر بالبيانات الوزاريّة باتت مهزلة، والاجراءات الموجعة بلا خطّة واضحة لن تكون الا وسيلة تعذيب نفسي وجسدي لشعب يعاني من آلام مزمنة ولم يجد العلاج لألمه بعد.