مرّت العلاقة بين ​المملكة العربية السعودية​ ورئيس الحكومة ال​لبنان​ية السابق ​سعد الحريري​ بفتور لافت. تعدّدت الأسباب، لكن أبرزها عدم وجود كيمياء بين الحريري وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يعقد "الشيخ سعد" تسوية مع التيار "الوطني الحر" رسّخها بعلاقات مميزة مع رئيس التيار البرتقالي النائب جبران باسيل باعدت أكثر بين السعودية والحريري. حاول رئيس الحكومة السابق ان يقرّب المسافات بين وزير الخارجية اللبناني السابق والرياض، لكنه لم ينجح لأسباب تتعلق بالفريقين. لكن العارفين يعلمون جيداً ان الحريري حاول ان يكون الوسيط لحل الأزمة القائمة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال تقديم مشاريع تسوية تتعلق بالصراع في اليمن. كل تلك الطروحات الإيجابية الدسمة لم تصل الى نتائج كان يتوخّاها رئيس حكومة لبنان السابق.

أتت حادثة "إحتجاز" الحريري في السعودية وكأنها تُعلن طلاق المملكة مع الحريرية السياسية، لكن تدخل دول أوروبية وتحديداً فرنسا، إضافة الى صلابة الموقف الرسمي اللبناني أعاد "الشيخ سعد" معزّزاً إلى بيروت، لإستكمال مهامه. نال يومها تعاطفاً شعبياً لبنانياً، لكنّه حقد على رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ الذي اتهمه ضمنياً بتحريض الرياض ضده، أو عدم مساندته في محنته. لا يزال الفريقان "القواتي" و"الأزرق" أسيرا تلك الواقعة حتى الساعة، رغم كل محاولات تسوية الخلاف او القيام بغسل قلوب. لم يستطع لا الوزير القواتي السابق ملحم الرياشي ولا الوزير المستقبلي السابق غطّاس خوري تعبيد الطريق بين معراب وبيت الوسط في كل المحطّات، رغم لقاءات وزيارات بقيت من دون نتائج عملية. علماً أن اول سهم اصاب حكومة الحريري بعد حراك ١٧ تشرين الأوّل الفائت كان مصدره "الحكيم".

تسارعت الأحداث الداخلية التي أنتجت بُعد الحريري عن رئاسة الوزراء، فحلّ رئيس الحكومة ​حسان دياب​ من خارج الجسم السياسي التقليدي ليشكّل هاجساً إضافياً للحريري، لكن من دون أي دور للسعودية اعتاد عليه اللبنانيون في تاريخ لبنان الحديث منذ إتفاق الطائف. فهل يتفرج السعوديون على خسارة موقع لبنان؟ لا يبدو حتى الآن ان هناك ايّ تدخل سعودي لا من قريب ولا من بعيد بشأن مقاربة وضع الحكومة اللبنانية الجديدة، ولا مساندة لبنان الآن لا مالياً ولا معنوياً.

يقول المعنيّون ان المملكة رغبت سابقاً بتنويع الخيارات المتعلقة بالبيت السنّي، وعدم حصرها فقط بالحريرية السياسية. هناك شخصيات جديدة فاعلة تملأ مساحات الطائفة: النائب ​نجيب ميقاتي​ في الشمال، والنائب ​فؤاد مخزومي​ في بيروت، والنائب ​جهاد الصمد​ في الضنية، والنائب ​عبدالرحيم مراد​ في البقاع، والنائب ​أسامة سعد​ في صيدا وآخرين. لكن لا يوجد بينهم وبين السعودية علاقات وثيقة، رغم أن ميقاتي ومخزومي ينفتحان على دول الخليج، و خصوصا رئيس حزب الحوار الوطني الذي يربطه تواصل دائم مع الإمارات العربية المتحدة. أما مراد فقد أبقى على خطوط التواصل قائمة مع ابو ظبي والرياض، وحاول القيام بدور إيجابي مع الخليج إزاء سوريا سابقاً.

هل يصبّ تطور العلاقات الخليجية-السورية في مصلحة أحدهم مستقبلاً؟ كل الخبراء يُجمعون على أن المرحلة المقبلة هي لمصلحة رجالات التسوية السياسية. يعلم الحريري ذلك بناء على تطورات المنطقة حالياً، خصوصا ان السعودية والإمارات يميلان بإتجاه دمشق التي تخوض مواجهات في شمال سوريا ضد تركيا. من هنا تُصبح مصلحة الحريري بإعادة علاقاته الوثيقة مع الرياض بعد فترة جفاء. وتشير المعطيات الى أنّ الرياض توحي بإمكانية إستيعاب "الشيخ سعد" مُجدداً ورفع الفيتو عنه. وقد بانت إشارات الحرارة في هذا السياق ستُترجم بإقامة الحريري في المملكة لفترة مرتقبة.