يقول الكتاب المقدس:

«لنمدح الرجال النجباء الذين ولدنا منهم» (يشوع بن سراخ 44/1)

مار مارون من هو وما يميزه عن بقية النساك والقديسين؟

الموارنة من هم وما هي شخصيتهم المميزة بين بقية الشعوب والجماعات؟ بين تلة قورش: هناك مارون وتلة ​عنايا​: وهنا شربل على التلة هناك في القورشية ركع الراهب الناسك مارون بجسمه النحيل الذي ذوبه ​الصيام​ والتقشف واضعفته الاماتات والزهد و​الصلاة​ اللامتناهية. وهي يركع شربل على طبق القصب. الراهب الناسك مارون يقف في العراء في حر الصيف ولهيب الحر وصقيع البرد والثلج و​الشتاء​ لا سقف فوق رأسه ولا غطاء يحمي جسده الذي اصبح ك​الخيال​. تلف ​الشمس​ جسده النحيل، ويخرق البرد جسمه والصقيع والريح والمطر.

مار مارون نهج نهجاً مميزاً بالزهد والنسك والسعي الى لقاء المطلق المثلث الازلي الذي هو الله وعلى تلة عنايا نسك شربل كما نسك مارون على تلة قورش.

فرادة سلوكية مميزة

هذه الفرادة في السلوكية و​الحياة​ طبيعته وطبعت تباعه الموارنة من بعده، نمط عيش مميز في حياة مارون ونمط عيش مميز في حياة الموارنة وسلوكهم. تألقت في حياة الرهبان والراهبات القديسين الموارنة: شربل، رفقا، نعمة الله، اسطفان وسواهم العديد من البطاركة والمطارنة والكهنة والعلمانيين والعلماء والمفكرين والشعراء والفنانين والادباء والقادة والرؤساء الموارنة.

تناغم بين الثيولوجيا والانتروبولوجيا

من ثيولوجيا التجسد وانتربولوجيا الحياة والقيم والسلوك صلة قوية جعلت من المارونية هذا التناغم الفريد بين التيار اللاهوتي الفكري وتجسداته الحياتية المعاشة في جلوس العائلة حول طبق العيش الواحد واقتسام ​رغيف الخبز​ الواحد والالتفاف حول بطرك واحد وعقيدة واحدة وتعليم واحد.

المارونية وردة بين الاشواك

فكان الموارنة والمارونية كوردة بين الاشواك فحولت الجبل الى جنة غناء حيث حفرت الصخر وجمعت التراب حبة حبة لتزرعها مروجاً من الكرمة والزيتون و​القمح​ والسنديان. شبراً شبراً شغل الارض جداً جداً وجمع حبات التراب حتى جعلت من جبل ​لبنان​ ارض حرية وفردوساً من الجمال والخير ومن لبنان ارضاً خضراء تجاه الاراضي الصحراوية المحيطة به. وكما قال المونسنيور ميسلن من القرن التاسع عشر: لبنان عمل الموارنة.

المسيح اله كامل وانسان كامل

المارونية هي هذا التيار الزهدي النسكي النابع من روحانية العائق في العراء ومن الجو الفكري الانطاكي المشرقي المطعم بالسريانية والارامية واليونانية وجميع التيارات الفكرية واللاهوتية والفلسفية في تلك البؤرة من افاميا والتراث الحضاري الفكري الانطاكي الخلقيدوني (45) حول فهم شخصية المسيح في كنيسته كأنه كامل وكإنسان كامل في وحدة لا تقبل الانفصال في طبيعة الهية كاملة وطبيعة انسانية كاملة. توازن واتزان طبع كل تاريخ مسار المارونية.

الاباتي بولس نعمان

بانفتاح دون ذوبان وانفلاش وتجذر دون انكماش وانغلاق (الاباتي بولس نعمان، المارونية ما هي؟ كتاب مار مارون صلاة المساء والصباح والزياح، الكسليك 1979 ص 25 59، 60، 61).

وما يقوله الدكتور كمال الصليبي يندرج كليا في هذا الخط: «صلوا في الوقت ذاته دون سابق تصور او تصميم من المحافظة على حق الانسان في الحرية والعيش الكريم، ومن المساهمة في خلق وطن يضمن هذا الحق لابنائه» (المرجع السابق ص 57).

اما الدكتور شارل مالك فقال: «... انه لولا المارونية لما وجد لبنان... مصير لبنان يقع في الدرجة الاولى على عاتق الموارنة... هنا مجد المارونية وفخرها: ان مصير لبنان وجوداً وكياناً منوط بها اكثر من غيرها. هي العناية التي شاءت هذا المجد والفخار والتي عينت هذا الدور التاريخي الحاسم...» (المرجع السابق ص 58) (في ديار مار مارون، غسان الشامي ​بيروت​ 2010).

خاتمة

ما كتبه الكاتب الفرنسي لامارتين وكان دوماً يردده صديقي الراحل الاستاذ الوزير ميشال اده: تعال عند الموارنة لترى هذه الانسانية الرائعة في الزهد والعمل والانفتاح، والتضحية والامانة والتواضع و​المحبة​ والضيافة وقبول الآخر المفترق واحترامه والاغتناء بما عنده من نعم الله.

ولا ننس ان مار مارون هو قديس الكنيسة جمعاء، والكنيسة الارثوذكسية تعيد له في 14 شباط.

ونحن في النهاية نردد ونصلي لا تخف ايها القطيع الصغير، لك مارون في السماء نصير وحافظ على وديعة الايمان وعلى مجد لبنان الذي اعطي له .