قد يكون من المستغرب أن تشهد بعض المناطق اللبنانية، في ظلّ النقاش القائم حول الأزمتين المالية والإقتصادية، إشكالات تنذر بالذهاب نحو فتنة مذهبيّة أو مناطقيّة، كما حصل أول من أمس مع عضو تكتل "​لبنان القوي​" النائب ​زياد أسود​ في المعاملتين، بعد أن كان الإعتراض على وجوده بأحد المطاعم في انطلياس، قبل يوم واحد، قد أدّى إلى إشكال آخر.

ما حصل لا ينفصل عن التحركات الإعتراضيّة التي واجهتها العديد من الشخصيات السياسية، على مدى الأيام الماضية، خلال تواجدها في أماكن عامة، وبالتالي الصدام كان من المتوقع أن يحصل في أي لحظة، وقد يكون أفضل تعبير عنه ما قاله نائب رئيس المجلس النيابي ​إيلي الفرزلي​، بعد ما حصل معه في أحد مطاعم الجمّيزة، حين تخوّف من عواقب هذه التحرّكات عند التعرّض لشخصيّات لديها مرافقين أو مناصرين يحملون السلاح.

بناء على ما تقدّم، حصل ما كان متوقعاً لناحية الصدام بين المتظاهرين وأنصار "الوطني الحر" أو النائب أسود، بعد الإعلان عن مكان تواجده برفقة عضو المكتب السياسي في "​التيار الوطني الحر​" وليد الأشقر، والذي أدّى إلى توتر مناطقي ترجم بالحالة الإعتراضيّة التي حصلت في ​مدينة طرابلس​، نظراً إلى أنّ أحد المتظاهرين الذين تعرّضوا للضرب من أبناء المدينة، والشتائم التي تعرّض لها كانت على خلفيّة وجوده في المنطقة، ما أدّى إلى ظهور دعوات لمنع أنصار التيّار من الدخول إلى مناطق الشمال عموماً وعاصمته خصوصاً، في مؤشّر خطير كان من الممكن أن يؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، حيث أنّ البعض منهم فكّر بالإنتقال إلى منطقة البترون للردّ على ما حصل في المعاملتين.

يوم أمس، كان من الواضح أن هناك محاولة من "التيار الوطني الحر" لتدارك ما حصل، مقابل سعي بعض القوى والشخصيّات الطرابلسية إلى إستثماره في سياق التصويب على التيار ورئيسه الوزير السابق ​جبران باسيل​، إلا أنّ الأخطر هو أن ما حصل من الممكن توقّع تكراره في أيّ لحظة، فهذا ليس الأشكال الأول من نوعه وحكماً لن يكون الأخير، طالما أن الشارع هو الحكم في المرحلة الراهنة، في حين أن هناك ما يؤكد أن كل التحركات باتت مشروعة، ومن يرى أن مرحلة "المزاح" انتهت.

أمام هذا الواقع، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن التحركات العنفيّة لن تصبّ في مصلحة أيّ فريق، لا ​الحراك الشعبي​ الذي خسر، على مدى الأيام الماضية، الكثير من المؤيّدين له، الذين يخشون الإنتقال إلى ما يمكن تسميته بـ"الثورة العنفيّة"، لا سيّما خلال المرحلة التي تخلّلتها إعتداءات على عناصر القوى الأمنيّة في ​وسط بيروت​، مع العلم أنه سيكون الجانب الأضعف فيها، نظراً إلى أنّ من غير المنطقي الإعتقاد بأنّ الأحزاب والتيارات السياسية لم يعد لديها من مناصرين مستعدين للدفاع عنها، ولا الأخيرة التي تكشف من خلالها عن صورة لا يمكن تقبّلها بأيّ شكل من الأشكال، نظراً إلى أن أحداً لم يعد يتقبّل مواجهة التحرّكات الإعتراضيّة بالعنف أو بالمنطق الطائفي والمناطقي، خصوصاً عندما يتمّ التباهي بهذه الأساليب من قبل أنصارها على ​مواقع التواصل الإجتماعي​، وهو ما حصل في أكثر من مناسبة من قبل أنصار أحزاب وتيارات مختلفة.

في المحصّلة، عندما يكون النقاش في البلاد محتدما حول الطريقة الأنسب للذهاب نحو إعلان الإفلاس أو مواجهة الأزمة الطويلة التي لا مفر منها، ليس هناك ما يدعو إلى الذهاب إلى العنف أو إستحضار الغرائز المذهبيّة والمناطقيّة، فالعنف الإقتصادي هو ما يتهدّد الجميع اليوم، وقد يكون الهروب منه يقترب من المستحيل.