بعد ٤١ عاماً على انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التحررية، وإطاحتها نظام الشاه، أحد أهمّ ركائز الهيمنة الاستعمارية للولايات المتحدة في «الشرق الأوسط»، تشهد هذه الثورة انطلاقة جديدة وبزخم شعبي غير مسبوق، يجدّد شعلتها التحررية، بما يؤشر إلى أنها نجحت في الخروج من كلّ التحديات التي واجهتها منذ بداية انتصارها، والتي تجسّدت في الحروب الاستعمارية، العسكرية والأمنية والإرهابية والاقتصادية، الأميركية الغربية وأدواتها الرجعية من أنظمة وقوى إرهابية، التي حاولت إطفاء الجذوة التحررية للثورة، وإعادة إيران إلى حضن التبعية.. وكان واضحاً أنّ الثورة، بعد أكثر من أربعة عقود على انتصارها، قد ازدادت قوة وقدرة ومنعة، وزخماً شعبياً، وظهر ذلك بوضوح لا لبس فيه من خلال…

أولاً، مشاركة عشرات الملايين في تشييع أحد أبرز قادة الثورة الشهيد البطل قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني، الذي استشهد مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، اثر العدوان الأميركي الغادر الذي استهدف موكبهما على مدخل مطار بغداد..

ثانياً، الردّ القوي على الجريمة الأميركية بقصف أقوى قاعدة عسكرية أميركية في «الشرق الأوسط»، وهي قاعدة عين الأسد في العراق، بوابل من الصواريخ الباليستية الإيرانية المتطوّرة وتدمير منشآتها الاساسية وقتل وجرح عشرات الجنود الأميركيين… لكن الأهمّ في هذا القصف انه وجه صفعة قوية لهيبة أميركا، وأكد قدرة إيران الثورة على مواجهتها وتحطيم جبروتها وجعلها تمتنع عن الرد وتلوذ بالصمت ومحاولة اخفاء خسائرها، والتقليل من شأنها، خوفا من أن يؤدّي ذلك الى ردود إيرانية، أقوى وأشدّ وأوسع، تطال القواعد الأميركية في المنطقة ومعها كيان العدو الصهيوني..

على أنّ هذا الزخم في شعبية الثورة، وكأنها في أيامها الأولى لانتصارها، وهذه القوة والقدرة التي أصبحت تتمتع بها، إنما يعود إلى العوامل التالية:

العامل الأول، القيادة الثورية التي تملك الرؤية الإستراتيجية ومشروع النهوض والتقدم والتطور، وتتمتع ببعد النظر والصلابة والجرأة والشجاعة في مواجهة أعداء الثورة، وعدم التساهل او التردّد، في التصدي لمخططاتهم وعدوانيتهم، وفي رفض إملاءاتهم وشروطهم للنيل من استقلال إيران ومواقفها في مساندة ودعم المستضعفين في العالم وحركات التحرر ضدّ المستعمرين والمحتلين، وهو ما تجلى في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين ضدّ الاحتلال الصهيوني، ودعم العراق وسورية واليمن في التصدي للحروب الإرهابية الاستعمارية التي استهدفت اخضاعهم وفرض الهيمنة عليهم…

العامل الثاني، بناء الأداة الثورية، وتجسّدت بمؤسسة حرس الثورة، التي تولت…

– حماية الثورة وإنجازاتها، من الأعداء، في الداخل والخارج، الذين كانوا يحيكون المؤامرات لتقويض الثورة وإحباط أهدافها التحررية..

– بناء مشروع النهضة والقوة الإيرانية على الصعد كافة، وتنفيذ مبادئ الثورة التحررية في نصرة المستضعفين.. لقد أسهمت هذه المؤسسة الثورية، في بناء القادة والكوادر القادرين على تحمّل أعباء مهام مواصلة تحقيق أهداف ومبادئ الثورة، التي وضع أسسها قائدها الكبير الراحل الإمام الخميني، وبناء المشاريع الاقتصادية التنموية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في احتياجات إيران الاساسية، وبناء وتطوير الصناعة العسكرية التي توفر القدرات الدفاعية، والى جانب ذلك الاهتمام بالأبحاث العلمية ورعاية الكادرات العلمية وتوفير كلّ المستلزمات المطلوبة لها لتحقيق التقدّم في البحث العلمي.. مما أسهم في تمكين إيران من النهوض وتحقيق قفزات علمية هامة في بناء مشروعها الحضاري وتحصين استقلالها، وتعزيز منعتها الداخلية في مواجهة الحرب الإرهابية الاقتصادية والأمنية التي تشنّها، بلا هوادة، إدارة العدوان الأميركية، منذ انتصار الثورة وحتى اليوم…

لقد نجحت هذه المؤسّسة الثورية، في تخريج القادة الذين تولوا المسؤوليات في العديد من المجالات، انْ كان لناحية الدفاع عن الثورة في ساحات وميادين القتال في داخل إيران، وفي مواجهة محاولات الاعتداء على سيادتها واستقلالها وأمينها، وهو ما تجسّد في إسقاط قوات الحرس طائرة الاستطلاع الأميركية المتطورة لدى خرقها المجال الجوي الإيراني، والردّ على احتجاز ناقلة النفط الإيرانية. من قبل البحرية البريطانية في مضيق جبل طارق، باحتجاز ناقلة بريطانية في مضيق هرمز، وصولاً إلى إجبار بريطانيا على الإفراج عن الناقلة الإيرانية، قبل أن تفرج إيران عن الناقلة البريطانية.. أو لناحية ترجمة مبادئ الثورة في نصرة المستضعفين والمقاومين من خلال بناء قوة القدس بقيادة أحد أهمّ وألمع قادة حراس الثورة القائد الشهيد قاسم سليماني، الذي أسهم بفعالية وإبداع في محاربة الإرهابيين التكفيريين، إلى جانب المقاومين في العراق، وإلى جانب رجال الجيش السوري في سورية، كما أسهم، الى جانب المقاومة في لبنان، في مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 وتحقيق الانتصار عليه، وكان له الدور الهامّ في نصرة ودعم المقاومة الفلسطينية وتمكينها من امتلاك القدرات الصاروخية وتقنية صناعة الصواريخ وبالتالي إيجاد معادلة ردع في مواجهة العدوانية الصهيونية…

ويمكن القول إنّ قوة القدس بقيادة سليماني كان لها دور ريادي في المساهمة بإلحاق الهزيمة بالقوى الإرهابية التكفيرية وبالتالي إحباط أهداف الولايات المتحدة الأميركية في إعادة تعويم مشروع هيمنتها في المنطقة.. وقد أدّى ذلك الى تعزيز قوة وتماسك محور المقاومة واتساع جبهته التي بات تحاصر كيان الاحتلال الصهيوني وتضعف الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية في المنطقة.. وها هي انتصارات محور المقاومة تتوالى في إدلب وغرب حلب وفي اليمن…

انطلاقاً مما تقدّم يمكن أن ندرك جيداً لماذا أصبحت إيران الثورة قوة شامخة عصية على قوى الاستعمار، ولماذا تواجه كلّ هذا العداء الأميركي الغربي الصهيوني والعربي الرجعي… لأنّ الثورة الظافرة باتت خطراً يهدّد وجود الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المحتلة، والذي يشكل ركيزة الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة.. التي خاضت الحروب ولا زالت ضدّ الثورة الإيرانية وأطراف محور المقاومة، لأجل هدف أساسي وهو حماية هذا الكيان الصهيوني، الذي وصفه الإمام الخميني بالغدة السرطانية، التي يجب اقتلاعها.. انّ الغرب الاستعماري لم يعتد على إيران دولة قوية مستقلة وقادرة على تغيير المعادلات وفرض قواعد جديدة للاشتباك في الخليج.. ولأنه كذلك أقدم على ارتكاب حماقات غير محسوبة النتائج يدفع ثمنها هذه الأيام بإضعاف هيبته وسطوته.. وردود إيران المتعددة على التعديات الأميركية البريطانية والمناورات الغربية بعدم الالتزام بالاتفاق النووي، أكدت أنّ زمن فرض الهيمنة الاستعمارية على إيران، وغيرها من الدول المستقلة مثل سورية وفنزويلا وكوبا إلخ… قد ولّى إلى غير رجعة…