تمكّن "المتظاهرون" للمرة الأولى من التعرّض لمسؤول ونائب في ​البرلمان اللبناني​ هو النائب ​سليم سعادة​، ربما لم يكونوا على علم بهويّة من يستقلّ السيارة، هذا بحال أردنا التفكير بنيّة حسنة تجاههم، لأنّهم لو أرادوا فعلا محاسبة السارقين أو المقصّرين أو المشاركين بالسلطة لما كانوا تعرّضوا لهذا النائب حتما، فلا هو من السارقين ولا حزبه من المشاركين بالسلطة على مرّ السنين.

لم يكن المتظاهرون على علم بهويّة النواب داخل السيارات، وكانت كل سيارة تمرّ من النقطة التي يقفون فيها على أحد المداخل المخصصة للنواب والوزراء، هي سيارة مستهدفة، فبالإضافة الى سعادة تعرضت سيارات 5 نواب للتكسير، ولكن فقط سعادة هو من نال حصة الأسد من الإذية. تكشف مصادر مطلعة عبر "النشرة" أن النائب سعادة الذي يتنقّل بسيارة واحدة والى جانبه السائق ومرافق، أُبلغ بأن يسلك الطريق الذي سلكه، على اعتبار أنّهآمن، ولكنه فوجئ بوجود عدد من المتظاهرين العنفيين، مشيرة الى أن ما تعرّض له سعادة يطرح سؤالا أساسيا حول "ماذا كان ليحصل لو أن الاعتداء على سعادة أدى لوفاته"؟.

تشدّد المصادر على أن الخطّة الأمنيّة التي كانت موضوعة لضمان وصول النواب والوزراء، كانت مُخترقة من قبل جماعات الحراك الشعبي، حيث أظهر انتشار المتظاهرين معرفة واسعة بالخطّة الأمنية، وهو ما أدّى لحصول الاعتداءات على السيارات والنواب، كذلك كان واضحا من خلال مُراقبة ما جرى بالشارع أن التنسيق بين الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي شبه مفقود، وهذا ما يعرض أيضا حياة العسكريين للخطر.

قبل الخروج من الشارع والدخول الى المجلس النيابي، لا بدّ من الإشارة الى أنّ نقطة مبنى "النهار" شهدت الحصة الأكبر من العنف، وذلك، كما جرت العادة، بسبب مشاركة جماعات باتت معروفة الأهداف والتوجهات هناك.

من "فينيسيا"، أو "بيت الكتائب" يبدأ سير الاعلاميين لتغطية جلسة المجلس النيابي، من شارع الى آخر، وسط التعزيزات الامنية، وصولا الى باحة المجلس الخارجيّة. كان كل النقاش داخل المجلس حول عدد النواب الحاضرين وهل يؤمّن النصاب أم لا، وهل بدأت الجلسة قبل تلاوة البيان الوزاري ام بعده.

كان لافتا ثبات السياسيين على قراراتهم، فكتلة "المستقبل" التي أعلنت أمس حضورها الجلسة، لم تحضر، الا متأخّرة، وبحضور خافت، كتلة "القوات" اللبنانية مارست لعبة جديدة عنوانها "المشاركة بعد تأمين النصاب"، أما النائب ​جهاد الصمد​ الذي أعلن عدم نيته حضور الجلسة، جلس بالصف الأمامي للنواب، ومثله فعل نواب اللقاء الديمقراطي الذين اعلنوا عدم الحضور، وحضروا بعد أقلّ من ساعة.

في السياسة، أمران، الأول يتعلق بالأكثرية النيابية التي لم تعد أكثرية، ولم يعد بالإمكان التحدّث عن أكثرية نيابية، فهي باتت مهزوزة، والا كيف يُفسر حضور ​طلال أرسلان​ الجلسة المسائيّة وتغيّبه عن الجلسة الصباحيّة التي كانت على وشك الضياع، وماذا يعني موقف ​أسامة سعد​؟، وماذا عن الخسائر البشريّة النّيابية التي يتكبدّها تكتل "لبنان القوي" عند كل استحقاق؟.

أما الثاني فيتعلّق بشكل المعارضة داخل المجلس النّيابي. في هذا السياق تشير مصادر الحزب "التقدمي الاشتراكي" الى أنه على الرغم من التحسّن الحاصل في العلاقة بين "التقدمي" و"المستقبل"، يبقى لدى الحزب موقفا واضحا، لناحية أن الوقت الراهن ليس لتشكيل جبهة معارضة تمثل قوى الرابع عشر من آذار، لأنّ وضع البلاد لا يحتمل الذهاب إلى مثل هذه الخطوة، وبالتالي المطلوب قبل الذهاب إلى أيّ تحالف من هذا النوع هو وضع برنامج سياسي وإقتصادي واضح، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى موقف النائب السابق ​وليد جنبلاط​ الساعي للمحافظة على تحالفه مع رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، رغم أنه من أبرز المعارضين لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

الموقف نفسه ينطبق على تيار "المستقبل"، فالتيار رغم أنه سيكون في صفوف المعارضة، لا سيّما بعد خروج رئيسه ​سعد الحريري​ من رئاسة الحكومة، وعلى ما يبدو خروجه من الندوة البرلمانيّة لناحية الحضور، حيث يُستبعد أن يحضر أيّ جلسة يكون فيها ​حسان دياب​ رئيسا للحكومة، يدرك جيداً أنّ المعركة لا يمكن أن تُخاض على قاعدة الإنقسام السياسي السابق بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، خصوصاً أن كلّا من "​حزب الله​" و"حركة أمل" كانا من المتمسّكين بعودته إلى السراي الحكومي حتى اللحظات الأخيرة، إلا أنه سيتشارك مع "الإشتراكي" في التصويب على العهد، الذي يحمّله مسؤوليّة ما حصل معه، في ظل إصرار رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ على معادلة معاً في الحكومة أو معاً خارجها.

بالنسبة إلى "القوات اللبنانية"، الحزب قد يكون من أبرز المتحمسين لبثّ "الحياة" في صفوف قوى الرابع عشر من آذار، وهو سعى إلى تأمين دعم سعودي لمثل هذه الخطوة من دون أن يلقى أيّ موقف إيجابي من جانب الرياض، بينما في المقابل، "المستقبل" ليس في هذا الوارد، خصوصاً أنه يحمّل القوات جزءاً من مسؤولية إقصاء الحريري عن المشهد الحكومي.

إنّ هذه المعطيات تؤكّد أنّ الصراع بين القوى السّياسية لا يزال محكوما بأسقف منخفضة، فهل تستفيد الحكومة من هذا الجوّ لتحقيق "المعجزات"؟.