لا يشبه 14 شباط 2020 اي تاريخ مماثل في السنوات السابقة، ان من حيث الشكل او المضمون. فقد حل هذا التاريخ وسط ازمة لم يعرف لبنان مثلها من قبل، وهي اتت بشكل ازمة ماليّة واقتصادية لم توفّر احداً، ونجحت في الاطاحة بالكثير من المعايير التي كانت متّبعة في عدد من الامور، دون ان تنجح في القضاء كلياً على عادات واساليب السياسيين والمسؤولين في مقارباتهم لمختلف المواضيع على المستويات كافة.

وواقع لبنان اليوم هو انقسام كبير في السياسة، وضياع كلّي لمكوناته اكانوا ضمن الخط السياسي نفسه ام في المقلب الآخر، ناهيك عن ان رئيس كتلة المستقبل النائب ​سعد الحريري​ ليس في سدّة المسؤولية، وهو امر وان حصل لفترة قصيرة سابقاً، الا انه هذه المرة قد يطول حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وربما اكثر ايضاً. اضافة الى ذلك، يبقى الحراك الشعبي نقطة مهمة في المعايير الواجب اخذها في الاعتبار، ونشاطاته تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاحداث في لبنان وتطورها. كل هذه المتغيرات تشير الى ان كلمة الحريري في هذه المناسبة لن تكون كسابقاتها، وان سهامه هذه المرة سوف تجد خصماً جديداً، لا بل اكثر من خصم، وهو سيعمد الى اشعار انصاره بأننه بات متحرراً من اي ارتباط او عبء، وان كلامه لن يراعي حساسية احد ولن يقف عند خاطر هذا او ذاك، وانه سيعمد الى رسم طريق سياسي جديد للتيار لن يحيد عنه مرحباً بكل من يرغب في الانضمام اليه، ومحذراً من انه لن يخرج عنه كرمى لعيون احد.

هذا الخطاب المتوقع، من شأنه ان يعيد حتماً شد عصب المؤيدين والمتعاطفين والمنتمين الى تيار المستقبل، ويعيد صورة الحريري لديهم الى ما كانت عليه قبل ان تتهاوى خلال الفترة السابقة، ولكن... سيكون من الصعب جداً تخيّل الحريري يشقّ طريقه وحده في لبنان، فهو لا يزال خارج العباءة السعوديّة من جهّة ولو ان العلاقة لم تعد تتمتع بالمقدار نفسه من الجفاء الذي كانت عليه، والتأييد الدولي له خجول جداً لان العين على لبنان ككل وليس على شخص فيه، كما ان الخطوط المهزوزة مع رئيس الجمهورية ومسؤولين سياسيين وحزبيين آخرين لن تعود الى سابق عهدها بهذه السرعة، اما العلاقة مع الثنائي الشيعي، فمن المؤكد انها لن تتغير لجهة المهادنة الدائمة مع رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، والمماحكات مع ​حزب الله​ من خلال الاشارة "الموسميّة" لسلاحه وتعييره بالانتماء الى "الخط الايراني المناهض للخط العربي". وللحكومة الجديدة ورئيسها نصيب وافر من الكلام، وسيحترم الحريري مقام رئاسة الحكومة لانّه منصب حساس للطائفة السنّية، ولكنه سيكون على رأس المرحّبين بأيّ خطوة ناقصة تقوم بها حكومة دياب، وسيعتبرها درجة له تقرّبه الى استعادة "امجاده السياسية".

ازاء كل ذلك، سيجد الحريري نفسه مضطراً الى تقديم تنازلات في مكان معيّن لتحقيق غاياته، فإما محاولة استرضاء السعوديّة ودول الخارج لاقناعهم باستحالة الاستغناء عنه في اي وقت، واما نسج شبكة داخلية اكثر توسعاً واماناً من تلك التي كان نسجها سابقاً، علّه يكون على موعد مع قاعدة شعبية اكبر ويتحضّر بجدية كبيرة لايّ استحقاق مقبل اكان متوقعاً ام لا (تغيير حكومي، انتخابات نيابية مبكرة...). ويبقى الامر الاكثر اهمية امام كل ما سبق، وهو تأمين التمويل اللازم لايّ خطة سياسية سيقرر الحريري اتباعها، وهي العقبة الاكثر تعقيداً في هذه الخريطة المرسومة.

كل ما سبق هو من باب "التوقعات" لما ستحمله كلمة الحريري ومواقفه، ولكن في حال صحت، فستحمل معها مرحلة جديدة لسعد الحريري، قد تطبع حياته السياسية للسنوات المقبلة.