صار واضحاً في الإقليم أنه كلّما ارتفع صوت ​تركيا​ رفضاً لتقدم ​الجيش السوري​ شمالا، يعني أن دمشق تحقق تقدّماً سريعاً في الميدان الذي يحيط بإدلب. لا تراجع في حسابات الجيش السوري، لحسم مساحات جسور الشغور وكل ادلب. لا يستطيع ​الجيش التركي​ أن يحدّ من تقدم السوريين، لكنه يوحي بالإستعداد للرد عبر الحديث عن التحشيد العسكري وقيام رئيس تركيا ​رجب طيب أردوغان​ بإتصالات مقرونة بمواقف إعلامية رافضة. كل ذلك لا يُترجم على أرض الواقع، بدليل الإصرار السوري على الحسم الميداني.

تبدو دمشق اكثر ارتياحاً من أي وقت مضى، وهي تستفيد من عوامل عدة: أولاً، ينشغل العالم بصراعات تتجاوز ما يجري في الشمال السوري. ثانياً، لا يهتم الأميركيون لما يجري هناك، بل تنحصر إهتماماتهم في شرق سوريا، حيث يلمسون بدء الإعتراض الشعبي على الوجود الأميركي هناك. لن يكون موقف المواطن السوري فتحو البرهو في ​القامشلي​ عابراً، بعدما إعترض دورية أميركية على طريقته البسيطة المعبّرة. لقد أصبح البرهو مثالاً يضجّ به الكلام في سوريا وخارجها. يتوقّع السوريون أن يظهر في الآتي من الأيام اكثر من فتحو البرهو الذي فتح الباب لحركات إعتراضية عدة ضد التواجد الأميركي في شرق سوريا. لكن واشنطن تعوّل على حليفتها "​قوات سوريا الديمقراطية​" لإجهاض تمدّد المشاكسة الشعبية السورية للأميركيين.

ثالثاً، تحظى خطة دمشق بدعم كل حلفائها، خصوصاً الروس والإيرانيون الذين سبق ونسقّوا مع تركيا لمنع أي تصرف عسكري تركي ضد تقدم الجيش السوري شمالاً. ومن هنا جاء بيان الرئاسة الروسية التي دعمت سوريا عبر القول: ان ما يجري هو حرب الجيش السوري ضد الإرهابيين.

رابعاً، يصفّق الخليجيون والمصريون ضمناً للرئيس السوري ​بشار الأسد​ الذي يجابه الأتراك ويمنعهم من فرض نفوذهم الدائم في سوريا. سبق أن عبّرت ​الإمارات العربية المتحدة​ عن قلقها من أي تواجد تركي في سوريا.

خامساً، أثبتت دمشق انها جدية في مواجهة سياسات انقره، وخصوصا ان ​مجلس الشعب السوري​ أقرّ وندد بجريمة العثمانيين التي إرتُكبت بحق الأرمن في مطلع القرن الماضي.

سادساً، تعرف ​الدولة السورية​ أنّ إعادة أراضيها لن تكون الاّ بإنهاء المجموعات الإرهابية في شمال سوريا، وهي جماعات تشكل خطراً على مناطق اخرى، وخصوصا بإتجاه ريف اللاذقية التي تقع غرب إدلب.

سابعاً، يشكل الشمال والشرق في سوريا مساحات خصبة للزراعة التي تُعتبر عامود الإقتصاد، إضافة الى النفط الذي يعيد إدخال العملات الصعبة الى ​الجمهورية العربية السورية​.

ثامناً، تُدرك دمشق أن إنهاء الحالات المسلّحة في شمال وشرق سوريا، تعني أن الدولة عادت الى وضعها الطبيعي، فلا يمكن للجمهورية أن تمسك بزمام المبادرة من دون حسم الميدان.

تاسعاً، بعد حسم معظم الجبهات يتفرّغ الجيش السوري للشمال الذي إحتوى كلّ المجموعات المتطرفة والمسلحين المُبعدين من المناطق الأخرى.

كل ذلك يشير الى أن سوريا تعود تدريجياً إلى دورها الطبيعي لتفرض نفسها مُجدداً لاعباً في الإقليم، بعدما إنشغلت لسنوات في ساحتها الداخلية تخوض أصعب حرب وجودية في تاريخها.