على ضوء المستجدات التي سيطرت على المشهدين السياسي والشعبي، منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي، أراد رئيس ​الحكومة​ السابق ​سعد الحريري​ أن يكون الإحتفال بذكرى اغتيال والده رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، في الرابع عشر من شباط، "إستعراض" في الشارع والسياسة، وهو ما دفعه إلى نقل مكان الإحتفال من ​البيال​ إلى ​بيت الوسط​، كرسالة بوجه من يقول أن الحريرية السياسية انتهت.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم "العراضات" التي حصلت في ​وسط بيروت​، قبل ساعات من إنطلاق الإحتفال في بيت الوسط، التي تحولت إلى إعتداءات من قبل أنصار تيار "المستقبل" على خيم ​الحراك الشعبي​، على وقع الهتافات التي تعلن الإستمرار في تأييد الحريري، في مقابل تراجع مستوى حضور الحلفاء السابقين في قوى الرابع عشر من آذار، حيث مثل حزب "القوات ال​لبنان​ية" وفد برئاسة الوزيرة السابقة ​مي شدياق​، بينما مثل "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" وفد برئاسة النائب ​تيمور جنبلاط​.

كان واضحاً، أن عنوان الإحتفال الأساسي هو الدفاع عن الحريرية السياسية والتصويب على العهد الحالي، وهو ما ظهر بشكل حاسم في البداية من خلال الوثائقي الذي سبق كلمة رئيس الحكومة السابق، والذي تعمد "المستقبل" أن يظهر فيه كل من ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" الوزير السابق ​جبران باسيل​، بالإضافة إلى شخصيات أخرى، ليكون بمثابة "توثيقاً" للدفاع عنها، إنطلاقاً من دور الحريري الأب وصولاً إلى الحريري الابن، مقابل محاولات "التعطيل" التي تعرضا لها.

من خلال ذلك، سعى "المستقبل" إلى رفع المسؤولية عن الحريرية السياسية، في ما يتعلق بأزمتي ​الكهرباء​ وتفاقم ​الدين العام​، ثم تعمد رد إنجاز إكتشافات ​النفط والغاز​ في البحر، الذي يتباهى فيه "التيار الوطني الحر"، إلى رئيس الحكومة الراحل، ليكون هذا الوثائقي بمثابة المقدمة لخطاب رئيس الحكومة السابق، من دون أن يتجاهل توجيه رسالة إلى "القوات"، عبر التأكيد بأن التسوية إنطلقت من ​معراب​ قبل أن تصل إلى بيت الوسط.

في خطابه، لم يخرج الحريري عن التوقعات التي تم التداول بها على مدى الأيام الماضية، أو عما أراد إيصاله "المستقبل" من الوثائقي أولاً، لناحية تقديم الحريرية السياسية على أساس أنها المنقذ الذي لم يسمح له بالعمل أو "الضحية"، حيث تعمد الحديث عن "طحنه" على مدى 15 عاماً، بالإضافة إلى تعرضه إلى طعاات ومحاولات إغتيال سياسي، ليؤكد أن تياره باق في "قلوب المناصرين" وعلى "قلوب الحاقدين"، مستعيناً بالعناوين الجذابة مذهبياً لإعادة لملمة وضعه الشعبي، عبر القول أن "المطلوب رأس رفيق الحريري مرة ثانية"، وأن إستهدافه شخصياً يراد منه إسقاط ​إتفاق الطائف​ وفتح الطريق أمام صيغة جديدة، وبالتالي المطلوب من الشارع الطائفي الإلتفاف حوله لمنع حصول ذلك.

هذا السيناريو كان بحاجة إلى أن يذهب الحريري إلى ما هو أبعد، أي الإعلان أن التسوية مع "التيار الوطني الحر" باتت من الماضي، بعد أن كان الهدف منها منع إنتقال الحريق السوري إلى لبنان، ومنع الوصول إلى الواقع الإقتصادي والمالي الذي وصلت إليه البلاد اليوم، محملاً رئيس "التيار الوطني الحر" مسؤولية عدم تنفيذ الإصلاحات التي كانت مطلوبة، بسبب عقلية "حروب الإلغاء" التي أرادت أن تلغي "الإشتراكي" و"القوات" والحراك الشعبي واليوم تريد إلغاء الحريرية السياسية، متحدثاً عن تعامله مع رئيسين: الرئيس الظل والرئيس الأصلي، وكان المطلوب منه أن يؤمن العلاقة مع الرئيس الظل ليحمي الإستقرار في العلاقة مع الرئيس الأصلي.

في مقابل التصويب على "التيار الوطني الحر" و​رئاسة الجمهورية​، لم يتردد الحريري في التصويب على حزب "القوات اللبنانية" بشكل غير مباشر، وهو ما ظهر عند توجيه التحية إلى رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، ثم التأكيد على التحالف معه، من دون أن يتوجه بأي موقف من هذا النوع إلى الأول، بالتزامن مع مد اليد إلى الحراك الشعبي، الذي اعتبر أنه بات شريكاً في القرار السياسي، وأعلن تأييده مطلبه بالدعوة إلى إنتخابات نيابية مبكرة، لا بل رأى أن الوجوه ​الجديدة​، التي قد تدخل ​المجلس النيابي​، تصب في خانة الربح لـ"المستقبل".

في خضم هذه الرسائل التي أراد رئيس الحكومة السابق إيصالها، التي لم تستثن بعض الشخصيات التي كانت مقربة منه سابقاً، كان من اللافت عدم تصويبه على رئيس الحكومة ​حسان دياب​ بأي شكل من الأشكال، لا بل قدم مساعدة غير مباشرة له، من خلال توجيه رسالة إلى الشارع السني بأنه "خرجت بإرادتي"، بالتزامن مع تحييد "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، نظراً إلى أن الإشارة إلى أن "مصريات ​إيران​ الكاش" التي تحل مشكلة حزب لا بلد، هي من ضرورة تقديم أوراق الإعتماد إلى ​الدول العربية​، التي هناك من سعى إلى "مشاكل يومية معها".

في المحصلة، الحريري أراد أن يوجه أكثر من رسالة سياسية تجتمع تحت عنوان سياسي واحد: "الحريرية السياسية هي المنقذ"، وبالتالي هو ينتظر العودة إليه بعد أن يثبت العهد، الذي حمّله مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من أزمات، فشله، على قاعدة: "سيعرفوا قيمتي لاحقاً"، في حين لم يعد لديه من حليف علني مباشر سوى جنبلاط، من دون قطع الطريق مع "​الثنائي الشيعي​" أو الحراك الشعبي.