تواجه سورية وضعاً ​اقتصاد​ياً دقيقاً يترافق مع إنجازات عسكرية إستراتيجية للجيش العربي السوري الذي

قلب المعادلات وأعاد خلط الأوراق في المنطقة رغم تعرض سورية إلى هجمة شرسة مثلثة الأضلاع مكونة من ​أميركا​ وإسرائيل و​تركيا​ داعمي ​الإرهاب​ فيها.

على الصعيد الاقتصادي لم يعد خافياً ارتفاع أسعار العملات الأجنبية ناهيك عن شح في بعض المواد الأساسية

كنتيجة طبيعية للخناق الذي تمارسه ​الولايات المتحدة الأميركية​ من خلال احتلالها لمنابع ​النفط​ السوري وحرمان سورية من أهم وارداتها النفطية والزراعية إضافة إلى مافيا الحرب في الداخل السوري.

هذا الخناق الاقتصادي الأميركي لم يأت إلا بعد إدراك ​واشنطن​ خسارة رهانها على إسقاط ​الدولة السورية​،

وخصوصاً بعد انهيار التنظيمات الإرهابية التي شكلت العمود الفقري للمخطط مثلث الأضلع.

فالرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ وبعد استحالة تحقيق أهدافه قرر سحب قواته من سورية ثم ما لبث أن

عدل عن موقفه بعد ضغط من الكيان واللوبي الصهيوني ليعلن أنه في صدد الإبقاء على عدد محدود من الجنود الأميركيين متحججاً بدعم أكراد «قسد» والحفاظ على منابع النفط السوري والتصرف بها كما يحلو له غير عابئ بالقوانين ولا بالقرارات الدولية.

ولأن سورية صمدت صموداً أسطورياً لم يكن متوقعاً حتى من أقرب الحلفاء فإن ​الإدارة الأميركية​ ومعها

إسرائيل وبعض الأنظمة العربية التي بدورها جيرت بعض الشخصيات اللبنانية الموالية لأميركا والتي عمدت إلى الضغط على العملة السورية الوطنية، الأمر الذي أدى إلى هبوط كبير بسعر ​الليرة السورية​ مقابل ​الدولار​ الأميركي، وأفقدها الكثير من قيمتها الشرائية في محاولة يائسة

للنيل من عزيمة سورية وإثارة ​البيئة​ المؤيدة للرئيس ​بشار الأسد​.

لكن صمود البيئة السورية شكل صدمة مدوية للمتربصين بسورية وذلك بعد تصميم السوريين على تحمل تكلفة

أعباء الخناق والحصار بإيمان راسخ محصن بدرع الجيش العربي السوري لمواجهة الهجمة اللئيمة والذود عن الوطن ولمنع تنفيذ مآرب أعداء سورية.

فالعدو الإسرائيلي المأزوم داخلياً دأب في الفترة الأخيرة على مهاجمة مراكز المستشارين الإيرانيين

قرب العاصمة السورية دمشق، واللافت أن الغارات الإسرائيلية تتزامن دائماً مع أي انتصار أو تقدم يحرزه الجيش العربي السوري على جبهات القتال ضد الإرهابيين في محاولة باتت مكشوفة تفصح عن مدى التناغم والدعم الإسرائيلي للتنظيمات الإرهابية العاملة في سورية.

وبغاراته المتكررة على سورية يحاول العدو الإسرائيلي تسجيل انتصارات وهمية لتحويل الانتباه عن أزمة

الداخل الإسرائيلي، وذلك بعد إخفاق واضح بتشكيل ​حكومة​ إسرائيلية واللجوء إلى إجراء ​انتخابات​ مبكرة للمرة الثالثة ناهيك عن انكشاف وهن الجبهة الداخلية وضعف في أداء ​الجيش الإسرائيلي​ الذي بدا واضحاً في المواجهات الأخيرة على جبهة غزة.

ما يسمى ب​صفقة القرن​ التي أعلن عنها ترامب و​نتنياهو​ لم تكن لتعلن لولا حاجة ترامب نفسه لإنقاذ نفسه

في انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة بالاستحواذ على أصوات اللوبي الصهيوني في أميركا لتتلاقى مصلحة ترامب نفسه مع مصلحة نتنياهو المنهك في الداخل الإسرائيلي جراء ملاحقته بتهم ​الفساد​ والخائف من حصول انشقاق في المجتمع الإسرائيلي لأول مرة منذ نشأة الكيان الصهيوني

كيف لا وهو المتهالك ليكون بن غوريون جديداً.

أما على جبهة ​الشمال​ السوري فإن الجيش العربي السوري وبعد إتمام الاستعدادات العسكرية اللازمة،

اتخذ قراره بالمبادرة إلى تغيير المعادلة بتفاهم ودعم الحليف الروسي محرزاً تقدماً استراتيجياً أسفر عن فتح الطرقات الرئيسية بين دمشق وحلب و​اللاذقية​ التي تشكل الشريان الاقتصادي لسورية وذلك بعد تحريرها من الإرهاب المدعوم من ​أردوغان​ الذي امتنع عن تنفيذ بنود اتفاقي

سوتشي و​أستانا​.

أردوغان المهووس بحلمه العثماني وجد نفسه يباطح الدب الروسي والجيش العربي السوري الذي قض مضجع

أردوغان فلجأ إلى التهديد والوعيد ولعب آخر أوراقه وقام بزج جيشه التركي في الداخل السوري في محاولة لإنقاذ ذاته وهرباً من تفاقم أزماته الداخلية وتعاظم نقمة ​الجيش التركي​ على أردوغان نفسه وخصوصاً بعد حملة التطهير والاعتقالات في ​المؤسسة العسكرية​ عقب محاولة الانقلاب

عليه في 2016.

في أسبوع واحد خسر جيش أردوغان الذي يحتل المرتبة الثانية في حلف ​الناتو​ أكثر من 42 عنصراً بين

جندي وضابط إضافة إلى 30 آلية عسكرية وتدمير عدة مراكز للمدفعية التركية وذلك نتيجة تصميم الجيش العربي السوري التصدي لأي احتلال تركي هادف إلى مساندة التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأرض السورية.

أردوغان الخائف من انقلاب الجيش التركي عليه عمد إلى إبعاد أهم ألويته إلى خارج الحدود التركية

تارة عبر إنشاء قواعد عسكرية في كل من قطر و​السودان​ و​العراق​ وتارة عبر إرسال ألويته العسكرية إلى ​ليبيا​ وسورية.

ولتبيان أثر أردوغان السلبي على معنويات الجيش التركي وحسب آخر الدراسات نكتشف الآتي: لم يحتج الجيش

التركي أكثر من أربع سنوات ليتبين مدى التأثير السلبي والضرر البالغ الذي لحق بالمؤسسة العسكرية التركية جراء استحواذ أردوغان منفرداً على قرار الجيش التركي مستفيداً من الانقلاب الفاشل عام 2016 فإذا بالجيش التاسع عالمياً حسب ترتيب الجيوش والأقوى في المنطقة يتراجع

مراتب عدة حسب مؤشرات مراكز الدراسات الدولية وخصوصاً بعد حملة التطهير وإعادة هيكلة الجيش التركي عتيداً وعتاداً والتي أشرف على تنفيذها أردوغان بنفسه بشكل يؤمن له سهولة السيطرة عليه، وخاصة أن مؤسسة العسكر التركي التي كانت الجهة الوحيدة التي تفرمل طموح أردوغان

من التفرد المطلق ب​السلطة​ وتهدد تحقيق أحلامه السلجوقية.

وإذا عدنا بذاكرة الدراسات والأبحاث للوراء لوجدنا أن عديد الجيش التركي كان 530 ألفاً لعام 2016

ليبلغ العديد 350 ألفاً للعام الحالي 2020.

أما عدد الضباط فقد تراجع من 39 ألف ضابط ليبلغ العدد الحالي ل​ضباط الجيش​ التركي فقط 28 ألف ضابط.

أما عدد أسراب قوات سلاح الجو للجيش التركي فقد هبط من 17 سرباً مقاتلاً ليبلغ حالياً فقط 10 أسراب.

أما عدد الطائرات الحربية التركية فقد جرى تخفيضها من 240 ​طائرة​ حربية من طراز «إف 16» إلى 120

طائرة حربية من الطراز نفسه، وبذلك فقد تقلص عدد الطيارين من 500 طيار حربي ليصل العدد الحالي إلى 200 طيار حربي هذا عدا عن تراجع عدد الألوية العسكرية إلى مقدار النصف تقريباً.

لم يتلق الجيش التركي الذي تأسس قبل مئة عام أي إهانة عسكرية إلا مرتين خلال السنوات الأربع الأخيرة.

الإهانة الأولى كانت في العام 2016 حين قام أنصار أردوغان بإهانة ضباط وجنود جيش بلادهم بعد الدوس

على رؤوسهم في شوارع تركيا وعلى مرأى من أعين ​العالم​.

أما الإهانة الثانية حصلت منذ أسبوع فقط حين قام أبطال الجيش العربي السوري بتلقين جنود وضباط الجيش

التركي درساً قاسياً في الدفاع عن سيادة سورية على أراضيها فإذا بالمدرعات التركية تحترق أما الجنود الأتراك فهي إما محاصرة وإما تعود إلى تركيا محملة نتيجة تصميم سورية الإستراتيجي على تحرير تراب وقرى سورية من تنظيمات إرهابية ومن احتلال الجيش التركي الداعم لتلك

التنظيمات.

صراخ أردوغان بلغ حد الاستنجاد بحلف الناتو طالباً التدخل لإنقاذ منظمات مدرجة على لائحة الإرهاب

الدولي قابله رد روسي مدعم بتصريح الخارجية السورية التي وصفت تصريحات أردوغان العالية النبرة بالجوفاء في إشارة روسية سورية واضحة بالاستخفاف من جدوى صراخ أردوغان كرسالة روسية سورية دالة على تصميم في تنفيذ القرار السوري الروسي الإستراتيجي وهو الانتهاء من وجود

التنظيمات الإرهابية في سورية المدعومة من أردوغان وهذا ما صرح به أمس وزير الخارجية الروسي ​سيرغي لافروف​ في ​مؤتمر​ ​ميونخ​ للأمن.

صار واضحاً أن سورية تواجه عدواناً مثلث الأضلع داعماً للإرهاب فكلّما ارتفع صوت أردوغان وكلما

أغارت إسرائيل على سورية وكلما اشتد الخناق الأميركي على اقتصاد سورية يعني أن دمشق تحقق تقدماً استراتيجياً سريعاً في الميدان يمكنها من قلب المعادلات لمصلحة الدولة السورية.

سورية بتصميمها وصمودها الإستراتيجي كسرت أضلع المؤامرة وأضحت ممسكة بزمام الأمور ماضية بعملية

التطهير من الإرهاب ومن أي احتلال عسكري لأراضيها وهي باتت قريبة من استعادة وضعها الطبيعي عسكرياً واقتصادياً الأمر الذي يمكنها مجدداً من الاستحواذ على قيادة محور إقليمي لا يمكن تجاوزه بعد كسر لمثلث الأضلع الذي شن حرباً وجودية على سورية كادت أن تطيح بنا جميعاً.