يبدو من الواضح، بعد ما يناهز الخمس سنوات على بدء الحرب السعودية الأميركية على اليمن، في محاولة يائسة لإخضاعه وتركيعه، دون جدوى، انّ ​الحكومة السعودية​ ومن ورائها ولي العهد محمد بن سلمان، قد دخلت في مأزق كبير نابع من أمرين..

الامر الأول، الغرق في رمال اليمن المتحركة، حيث فشلت من جهة في تحقيق ايّ مكسب ​عسكري​ او سياسي، ومن جهة أخرى باتت تعاني من استنزاف كبير، اقتصادي ومالي، إلى جانب النزف البشري.. وإذا كانت لا توجد أرقام دقيقة عن كلفة الحرب المستمرة.. فإنّ مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قدّرت الكلفة في الأشهر الستة الأولى من الحرب بنحو 725 مليار ​دولار​، اي 1,450 تريليون دولار في ​السنة​، ما يعني حسب هذه الأرقام انّ الكلفة في خمس سنوات قد بلغت ٧ تريليون و٢٥٠ مليار دولار، وهذا الرقم مبني على أساس نفقات الحرب في الأشهر الستة الأولى التي كانت فيها السعودية بمنأى عن هجمات ​الجيش اليمني​ و​أنصار الله​ في داخل الأراضي السعودية، حيث شهدت السنة الماضية، ايّ السنة الرابعة للحرب، سلسلة هجمات استهدفت المنشآت النفطية السعودية التابعة لشركة “أرامكو”، وادّت الى تدميرها، فيما تعرّض ​الجيش السعودي​ لخسارة جسيمة، نتيجة عملية “نصر من الله” حيث جرى خلالها نصب كمين لفرقة من ​القوات​ السعودية والمرتزقة أسفرت عن تدمير عشرات الآليات والمدرّعات والاستيلاء على أخرى، وأسر مئات الجنود، الى جانب مقتل عدد كبير منهم…

وهذا التقدير لكلفة ما تكبّدته السعودية في هذه الحرب حتى اليوم، حسب “فورين بوليسي”، هو أقرب إلى الواقع، اذا ما أخذنا بالاعتبار ان كلفة الاحتلال الأميركي للعراق، في السنوات الثلاثة الأولى، قد بلغت ٣.٥ تريليون دولار، حسب جوزيف ستيغليز صاحب كتاب، حرب الثلاثة تريليونات ونصف.. مع الأخذ بالاعتبار أنّ هذه الكلفة ناتجة عن الإنفاق على القوات وتعرّضها لعمليات ​المقاومة​ المسلحة، لانّ الحرب الأكثر كلفة، التي ادت إلى السيطرة الأميركية على ​العراق​، لم تدم اكثر من شهر.. في حين ان الحرب السعودية المدعومة أميركياً لا تزال مستمرة منذ خمس سنوات دون توقف، لأنها عجزت عن احتلال اليمن و​القضاء​ على أنصار الله والجيش اليمني.. وهذا يحتاج إلى إنفاق عسكري كبير حيث آلة الحرب الجوية والبرية تعمل على مدار ​الساعة​، وتتكبّد خسائر كبيرة، وفي المقابل فإنّ ذلك يرتب شراء المزيد من ​السلاح​ والعتاد الحربي والذخائر.. من هنا من الطبيعي ان تكون كلفة حرب اليمن أكبر بكثير من كلفة الاحتلال الأميركي للعراق.. وإذا كانت السعودية لا تزال تتحمّل مثل هذه الكلفة الباهظة، لأنها تملك ثروة نفطية كبيرة تؤمّن لها عائدات ضخمة، وكان لديها احتياطي سابق، لكنها اليوم وقعت تحت عجز متزايد أجبرها مؤخراً على اتخاذ إجراءات تقشفية في الداخل السعودي…

الأمر الثاني، انّ الحكومة السعودية، وبالأخصّ ولي العهد ابن سلمان، يتخوّف من تداعيات إعلان وقف الحرب على الداخل السعودي، وأن يدفع ثمن الفشل في تحقيق ايّ نصر عسكري وسياسي، والكلفة الباهظة التي تكبّدتها المملكة، مادياً وعسكرياً وبشرياً، الى جانب تراجع دور ومكانة المملكة في المنطقة و​العالم الإسلامي​.. فوقف الحرب اليوم من دون تحقيق ايّ هدف سعودي، سوف يعني هزيمة كبيرة لمحمد بن سلمان قد تكلفه خسارة طموحاته في وراثة عرش المملكة، وأن يتحوّل إلى كبش فداء يضحّى به من قبل الملك والأسرة الحاكمة لامتصاص التداعيات في الداخل وتحميله مسؤولية توريط السعودية في الحرب والهزيمة وتراجع دور المملكة عربياً وإسلامياً، لا سيما أنّ ذلك يترافق مع فشل الرهانات السعودية على إسقاط سورية وإضعاف محور المقاومة في المنطقة.. على أنّ ما يثير قلق الحكومة السعودية أيضاً، من الإقرار بالهزيمة، ووقف الحرب، ان لا تتمكن من احتواء التداعيات، وأن يؤدّي انتصار ​الثورة​ اليمنية التحررية إلى ​زلزال​ كبير في الداخل السعودي، وعموم منطقة الخليج، لما يحتله اليمن من موقع جيو سياسي هام.. وقد يكون ذلك واحد من العوامل التي تجعل ​الولايات المتحدة​ تضغط على محمد بن سلمان لمواصلة الحرب، الى جانب مصلحتها في الاستمرار في الاستفادة من عقد صفقات السلاح وامتصاص المزيد من أموال المملكة وعائداتها النفطية، وتشغيل معامل صناعة السلاح الأميركية وتوفير فرص العمل للأميركيين، وهو أمر يحتاج اليه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لتعزيز شعبيته عشية ​الانتخابات الرئاسية​ حيث يطمح للفوز بولاية ثانية.. وهو لا يهمّه إنْ أدّى ذلك الى تكبّد المملكة المزيد من الخسائر، أو سقوط الضحايا في اليمن.. فهذا آخر ما يهمّ ترامب…

والى ان تقرّر الحكومة السعودية التوقف عن الغوص في رمال اليمن المتحركة، فإنّ كلفتها في القادم من الأيام سوف تكون أكبر، لانّ المقاومة اليمنية تزداد قوة وقدرة على إلحاق الخسائر والهزائم بقوى العدوان، وتوجيه ضربات موجعة لها، لا سيما بعد إسقاط ​طائرة​ حربية من نوع تورنيدو ب​صاروخ​ أرض جو.. إلى جانب الهجوم المعاكس الذي شنّته قوات الجيش اليمني و​انصار الله​ في منطقتي نهم ومأرب، باسم عملية “البنيان المرصرص”، والتي أدّت إلى تحرير مناطق شاسعة والاستيلاء على كميات كبيرة من السلاح والعتاد الحربي بينها مدرعات ودبابات سعودية.. وقتل وجرح وأسر نحو ٣،٥٠٠ من قوى العدوان اثناء التصدّي لهجومها قرب صنعاء…