في مؤتمر ​ميونيخ​ للأمن، والذي انعقد في دورته الـ 56، ظهرت مواقف حادة أعطت الاستنتاج بأنّ النزاع الدائر في ​الشرق الاوسط​ مستمر في خطه التصاعدي.

المؤتمر عالجَ عدداً من الازمات العالمية، وتطرّق الى ملفات الشرق الاوسط ايضاً، وقيل انّ 6 أزمات كبرى طُرِحت على بساط البحث وهي: حرب ​أفغانستان​، برنامج ​كوريا الشمالية​ النووي، الوضع في ​كشمير​، النزاع في ​اوكرانيا​، الهدنة المتعثرة في ​ليبيا​ والملف الايراني. وساد كلام عن أنّ ​واشنطن​ تستعد لحزمة عقوبات جديدة على ايران ناقشها وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ مع نظرائه الاوروبيين، وأرفق خطوته هذه بهجوم على ​إيران​ في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر.

امّا وزير ​الخارجية السعودية​ فقال في وضوح ان لا اتصالات مباشرة مع إيران التي عليها ان تغيّر سلوكها أولاً. ولاقاه وزير ​الخارجية الايرانية​ بقوله انه لا يعتقد أنّ السعودية تريد نزع فتيل التوتر مع ايران، معتبراً أنها واقعة تحت التأثير الاميركي.

وجاءت هذه المواقف بعد كلام راجَ خلال الاسابيع الماضية حول وجود احتمالات مرتفعة لإعادة التواصل بين ​طهران​ والرياض وسط مواقف ايرانية مرحّبة.

لكنّ هذه الصورة الملبّدة لا تعكس المشهد كاملاً. ذلك انّ ثمة همساً حول حصول حركة ما بعيداً من الاعلام وفي الكواليس الضيقة، تولى جانب منها وزيرا الخارجية العماني والفرنسي. لذلك مثلاً كان لافتاً الجزء الثاني من كلام وزير الخارجية الايرانية عندما قال انّ ايران مستعدة للقبول بشروط معينة للعودة الى تطبيق ​الاتفاق النووي​، وانّ بلاده مستعدة لإبطاء إجراءات الخروج منه او عَكس مسارها بما يتناسب مع ما ستقوم به ​اوروبا​.

وبعيداً عن ميونيخ، فإنّ الضربات التي تستهدف القوات الاميركية في ​العراق​ في إطار الرد على اغتيال ​قاسم سليماني​، تأتي مدروسة بمقدار كبير بحيث لا تؤدي الى خسائر بشرية.

انها المواجهة المضبوطة بسقف محدّد جيداً وتحت وطأة الكباش الصعب والضغوط الاقتصادية. حتى الآن استطاعت ايران التكَيّف مع الحصار الاقتصادي المضروب حولها. والرئة الاقتصادية التي تتنفس منها من خلال العراق ما تزال تعمل. كما انّ مسارب الاوكسيجين الأخرى في المنطقة ما تزال مفتوحة، ولو بنسب محددة.

لكنّ ثمة جديداً طرأ مع أزمة «فيروس» ​كورونا​ الذي ضرب ​الصين​، ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية فإنّ طلب بكين ​النفط​ الخام الايراني تراجَع بسبب تراجع الحركة الاقتصادية للاسواق الصينية، ما يمثّل ضربة لإيران التي تحتاج الى المتنفّس الصيني.

ووفق الصحيفة نفسها، فإنّ الاوضاع المضطربة في الصين عرقلت أيضاً الامدادات الخاصة بقطع الغيار والسلع الزهيدة الثمن التي تحتاجها طهران من أجل تسيير شؤون مصانعها واسواقها. وهنا لا بد من الاشارة الى تصريح وزير الدفاع الاميركي مارك اسبر من أنّ التحدي الأمني الرئيسي لبلاده تغيّر ولم يعد ​روسيا​ بل أصبح الصين.

بعد أيام سيذهب الناخبون الايرانيون الى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات برلمانية باتت نتائجها معروفة مسبقاً، وتؤشّر الى فوز كبير لتيار المحافظين.

وفي 2 آذار المقبل سيتوجّه ايضاً الناخبون الاسرائيليون للمرة الثالثة خلال عام واحد الى انتخاب اعضاء ​الكنيست​ وتحديد رئيس الحكومة. ورغم التقديمات السخية جداً التي يتلقاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الّا انّ استطلاعات الرأي لا تشير الى فوز مضمون لمعسكر اليمين بزعامة حزب «الليكود» ولا أيضاً لمعسكر اليسار بزعامة حزب «كاحول لافان»، أي حزب «أزرق أبيض». وهو ما يضيف من الغموض على الصورة الضبابية للشرق الاوسط.

في الكواليس الديبلوماسية همس حول تحقيق بعض التقدم في الاتصالات بين ​الامارات​ وايران. لكنّ هذه الاتصالات توقفت بعد طلب اميركي بذلك. والملاحظ انّ الامارات سحبت كل قواتها من ​اليمن​، وغاب وزير خارجيتها عن الصورة في مؤتمر ميونيخ. كذلك غاب سفيرها في ​لبنان​ عن ​ذكرى 14 شباط​ في «بيت الوسط». ولأنّ الصورة بَدت تتأرجح بين مواقف معلنة ورسمية تتمسّك بالمواجهة ومَساع تفاوضية في الكواليس لم تحقق نتئاجها بعد وكأنّ الوقت لم يحن بعد، أو انّ الظروف في حاجة لبعض «الحرارة» لكي تنضج، يقف لبنان في مرحلة الانتظار كون ساحته شديدة التأثر بتطورات الاوضاع والمستجدات الخارجية.

لذلك، بَدت المواقف الاميركية أقل قساوة من السابق، ولو انها لم ترتقِ الى مرتبة المرونة بعد. فمنذ نهاية الشهر الماضي سرت معلومات حول وجود تحضيرات أميركية لوقف مساعداتها للبنان من خلال برنامج U.S.aid، لكنّ الاعلان عن هذا القرار تم تجميده في الايام الماضية. وهو ما يعني انّ هناك ما طَرأ على موقف واشنطن وأدى الى وقف توجيه هذه الرسالة المعنوية القاسية الى لبنان. لكنّ المبالغة في البناء على وقف تنفيذ هذه الخطوة والذهاب في التفاؤل لا يؤدي الى قراءة واقعية. لا بل قد يكون من المنطقي إدراج الامور في الخانة الرمادية تماشياً مع الصورة الاقليمية الضبابية.

ففي المواقف الدولية، ولاسيما منها الاميركية، إعطاء فسحة انتظار واختبار لحكومة الرئيس ​حسان دياب​. صحيح انّ اصلاحات ضرورية على الحكومة القيام بها كمدخل للمعالجة الاقتصادية، لكنّ الواقع اللبناني في حاجة الى دعم مالي فوري ومساعدات اقتصادية عاجلة لإنقاذه. وهو ما تستطيع العواصم الغربية وحدها القيام به. ونقل عن دياب وصفه مؤسسات الدولة «بالأرض المحروقة». مع العلم انّ الحكومة تتجه الى دفع جزء من استحقاقها المالي وجدولة البقية. لكن، ولأنّ الصورة رمادية، فإنّ الموقف الاميركي استقرّ ما بين تجميد خطوات التصعيد ولكن ايضاً بعدم الذهاب في اتجاه المساعدة.

كثيرون قرأوا الجانب السياسي المحلي في احتفال ذكرى 14 شباط في «بيت الوسط» واعلان الرئيس ​سعد الحريري​ انتهاء ​التسوية الرئاسية​، لكن قلة قرأت الجانب الخارجي والذي تمثّل في الحضور الديبلوماسي الحاشد رغم تحذيرات المسؤولين عن الأمن في السفارات من أنه من الافضل عدم المخاطرة والذهاب للمشاركة في المناسبة، بسبب اوضاع الطرق وانتشار المحتجّين واحتمال وجود أشخاص خطيرين بينهم.

وفسّر البعض الاصرار على المشاركة بأنه في إطار إبقاء «ورقة» عودة الحريري الى ​رئاسة الحكومة​ في خانة الاحتياط الجاهز. ما يعني أنّ الوضع الاقليمي الضبابي لن يسمح بفتح أبواب المساعدات أمام لبنان، وبالتالي احتمال عدم قدرة حكومة دياب على الثبات في وجه احتجاجات ستتجدد بسبب عدم القدرة على تجاوز الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة. فتصبح عندها عودة الحريري ضرورة ماسّة.