ليست المرة الأولى التي نسمع بها دعوات لمقاطعة البضائع الأميركية، ولكنها هذه المرة جاءت الدعوة على لسان أمين عام ​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​، في سياق الرد على الحرب الأميركيّة الاقتصاديّة التي تُشنّ على لبنان، والتي ساهمت بوصوله الى القعر الذي يتواجد فيه اليوم، اقتصاديا واجتماعيا. فهل يمكن فعلا تطبيق هذه المقاطعة؟.

منذ حوالي العشرين عاما بدأت حملات مقاطعة البضائع الاميركية في ​العالم العربي​، ولكنها لم تتمكن من الصمود نتيجة عوامل عديدة، أما في لبنان فقد كانت التجارب في هذا الإطار كثيرة، وأيضا لم تتمكّن من الاستمرار طويلا، ولعلّ أحدث تجربة تلك التي انطلقت في الشهر الأول من العام الماضي، حيث عادت الحركة العالميّة لمقاطعة البضائع الأميركية الى الواجهة مجددا، وتعود اليوم أيضا بعد خطاب السيد نصر الله.

لا ينفي أمين عام هذه الحركة حمزة الخنسا ان الدعوات التي كانت تحصل على مدى السنوات السابقة لم تصل الى نتيجة لأنها كانت "عبارة عن "ردّات فعل" تلحق القرارات الأميركية المجحفة بحق القضايا العربية، أو المجازر الاسرائيلية في المنطقة، ومن المتعارف عليه أن ردات الفعل تنتج عن العاطفة، ما يجعله فعلا موقتا ينتهي مع "انتهاء الشعور بالغضب"، ويشير في حديث لـ"النشرة" الى أن الحركة تعمل جدّيا على هذا الخيار منذ حوالي سنة، بالتعاون مع ناشطين في أكثر من 14 دولة، منها، سوريا، المغرب، تونس، ماليزيا، اندونيسيا، أفغانستان، غزة، باكستان وتركيا.

ويضيف الخنسا: "عملنا اليوم بات مختلفا عن السابق، اذ نُجري الدراسات ونعمل بطريقة ممنهجة، لا تكون قائمة على ردود الفعل العاطفيّة، ونعدّ القوائم بالبضائع الأميركية التي يُمكن مقاطعتها، مع وجود استثناءات لبضائع لا يوجد أيّ بديل لها، كقطاع الالكترونيات مثلا، ولوائح أيضا لبعض البدائل، سواء كانت وطنيّة أو عربيّة أو حتى غير عربيّة، مشددا على أن هدف الحركة هو جعل فكرة المقاطعة راسخة في ذهن الشعوب.

يشير احد العاملين في حملات المقاطعة سابقاً عبر "النشرة" الى وجود العديد من المطبّات التي يمكن الاصطدام بها خلال التطبيق الفعلي لهذه الحملات، أبرزها غياب البديل بالإضافة إلى مشكلة العاملين في هذه الشركات داخل لبنان، اذ كما هو معلوم فإن شركات لبنانيّة كبيرة تشتري "الإسم" من المؤسّسة الأميركية الأم، وتعمل في لبنان، وبالتالي يعمل فيها مئات الموظفين اللبنانيين، الأمر الذي يجعل مقاطعة كهذه مؤذيا لهذه العائلات، مشددا على أن الموقف معنوي أكثر مما هو عملي، لأن المطلوب لنجاح الحملات أن تكون من ضمن خطة شاملة تعمل على تأمين البدائل عمّا لا يمكن الاستغناء عنه.

ويرى أن الخيار الأفضل هو عندما يكون القرار بالمقاطعة على مستوى وطنيّ شامل، وبالتالي يتضمن دعم ايّ مستثمر يسعى إلى تقديم البديل، بينما اليوم لا تزال الدولة اللبنانيّة تقدّم التسهيلات إلى المستوردين وتضع العراقيل أمام الصناعة المحلّية.

إن هذه المعضلة تُدركها جيدا الحركة العالميّة لمقاطعة البضائع الأميركية، ولأجل ذلك فهي تدرس بعناية ما يُمكن مقاطعته وما لا يُمكن فعله، وفي هذا السياق يشير الخنسا، الى أن الضرر الناتج عن ​الولايات المتحدة الأميركية​ على شعوبنا أكبر بكثير من الضرر الذي ينتج عن إقفال أحد المطاعم مثلا، خصوصا أن المطاعم اللبنانية تؤمن البديل وربما بجودة أفضل.

لا ترسم الحركة اهدافا كبيرة لعلمها بصعوبة التطبيق، ولكنها تعمل لأجل أن تتمكن الشعوب في يوم من الأيام من الضغط على الحكومات او البرلمانات لإصدار تشريعات تناسب المقاطعة، وعندها تصبح الفعاليّة كبيرة.

ربما تبدّلت الأزمنة، وما كان يسري على الهند يوم قاطع غاندي البضائع البريطانيّة، وتمكّن من طرد المستعمر، لم يعد يسري اليوم، خصوصا أن الأولويات العربيّة باتت في مكان آخر، ولكل دولة موقفها الذي لا يتوافق ربما مع المسلّمات التي كانت سائدة سابقا، ولكن كل هذا لا يعني أن على الشعوب الخضوع والاستسلام، بل عليهم محاولة المقاومة، وأن يكون لهم على الأقل، شرف المحاولة.