منذ ما قبل الرابع عشر من شباط، ترصد العديد من الأوساط السياسية والأمنية التحولات على الساحة السنّية، حيث كان التقدير الأول أنها خارجة عن السيطرة، في ظلّ التحولات التي تشهدها البلاد منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي، وبالتالي من الممكن أن تنجح أيّ جهة في الاستثمار فيها.

مخاوف هذه الأوساط السياسية والأمنية، كانت تنبع بشكل أساسي من تراجع حضور رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ في الشارع، خصوصاً في مناطق الأطراف، لكن في المقابل لم يظهر أيّ مشروع سياسي آخر، في حين أن أغلب القوى والشخصيات الفاعلة، منذ سنوات، لم تنجح في تجاوز حضور "​المستقبل​"، لا سيما أنها لا تخرج عن إطار الزعامة المناطقية.

في قراءة تلك الأوساط، كانت القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة تدرك هذا الواقع جيداً، الأمر الذي يدفعها للحفاظ على قنوات التواصل مع الحريري، رغم أن البعض غير راض عن أدائه منذ تاريخ التسوية السّياسية التي جمعته مع "​التيار الوطني الحر​"، بالرغم من الصراع التركي-الإماراتي الذي بات واضحاً في أكثر من منطقة.

على الرغم من ذلك، كانت الأوساط السّياسية والأمنيّة تؤكّد أن الأساس يكمن في الساحة المحليّة، أيّ في بروز شخصيّة سياسية قادرة على وراثة الزعامة الحريريّة، سواء كانت من رحمها أو من خارجها، من دون تجاهل أهمية الدعم الذي من الممكن أن تؤمّنه القوى الخارجيّة لها، وتعتبر، انطلاقاً من بروز اسمه خلال مرحلة احتجاز رئيس الحكومة السابق في السعوديّة، أن شقيقه ​بهاء الحريري​ هو الوحيد القادر على منافسته شعبياً.

ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​، في الرابع عشر من شباط، كشفت أن بهاء لم يعد بعيداً عن الدخول إلى الحياة السّياسية، وبالتالي هو يسعى إلى ذلك بكل قوّته مستفيداً من التحوّلات التي تشهدها الساحة الداخليّة، بدليل عدم الالتزام بالموقف الذي عبّر عنه سعد الحريري، الذي توّج بعد اغتيال والده وريثاً سياسياً له، وإصدار بيان يتضمن مواقف سياسية واضحة.

وفي حين عبّرت بعض الشخصيّات السّياسية في قوى الثامن من آذار، في سياق المناكفات لا أكثر، عن تأييدها أو ترحيبها بالوافد الجديد من عائلة الحريري، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذه المواقف لا يعوّل عليها، نظراً إلى أنّ الجهات الفاعلة لا تزال تفضل سعد الحريري على أيّ شخصية أخرى، وهو ما دفعها، في الفترة الماضية، إلى دعم عودته إلى ​رئاسة الحكومة​ حتى النهاية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى أن تصنيف بهاء الحريري، بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار، سلبيّ، نظراً إلى الأسس التي ينطلق بها في مواقفه السياسية، والتي تعتبر عدائيّة تتماهى بشكل كامل مع السّياسة السعوديّة، التي باتت في الموقع المعادي، وتلفت إلى أنّه في السابق سعى للدخول عبر هذه البوّابة، إلا أنّ موقف العائلة حال دون ذلك.

من وجهة نظر هذه المصادر، الساحة السنّية مرشحة لأن تشهد صراعات كبيرة في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من الصراع داخل عائلة الحريري من جهّة، ومن بين شخصيّات خرجت من رحم تيارها السياسي من جهة ثانية، ومن ثالث يتعلق بمواقف باقي القوى والشخصيّات، وتؤكد أنها ستكون مدعومة من جهّات إقليميّة تتصارع على مستوى المنطقة ككل، في ظل الانقسام بين محورين: تركي-قطري وسعودي-اماراتي.

في المحصّلة، لا يزال سعد الحريري، رغم خروجه من الحكم، هو المرشّح الأبرز للبقاء على رأس الزعامة السنّية في ​لبنان​، لكن ذلك لا يلغي المنافسة التي تشتعل يوماً بعد آخر، وبالتالي من الممكن أن تحصل تحوّلات في أيّ لحظة، لا سيما إذا ما كان هناك قرارات خارجيّة بذلك، بدليل أنّ الوراثة في العائلة، التي كان من المتوقّع أن تذهب إلى شقيقه في العام 2005، آلت إليه بقرار سعودي بالدرجة الأولى.