لم تكن مقاربة التعامل مع ​الأزمة​ المالية واضحة في ​لبنان​ منذ سنوات مضت. فالأزمة التي وصلت إلى ذروتها حالياً، بانت ملامحها سابقاً. بدت القطبة مخفية: كم هي الموجودات المالية في ​مصرف لبنان​، ودائع وإحتياط؟ ماذا عن مضمون الخطة المالية لإدارة الأزمة الحالية؟ ماذا تملك خلية إدارة الأزمة من رؤى؟ بقيت كل تلك الأسئلة عالقة من دون جواب صريح وشفّاف، مما زاد من حجم تداعيات الأزمة وإتّساع مساحات عدم الثقة ب​القطاع المالي​. سيدفع ​اللبنانيون​ الأثمان مرتين في حال عدم تدارك الأمور: أولاً، تجميد أموالهم إلى أمد غير محدّد. ثانياً، فقدان الثقة ب​القطاع المصرفي​ اللبناني، مما يمنع ضخ الإيداعات الخارجية للمستثمرين و​رجال الأعمال​ العرب والأجانب الى البنوك اللبنانية.

بالأساس، لا يتحمل حاكم المصرف ​رياض سلامة​ المسؤولية وحده. بل يتقاسم المسؤولية مع الجسم السياسي الذي كان يشكّل عصب الحكومات المتتالية، ولا سيما الفريق الذي وضع سيناريو الرؤية المالية منذ أوائل التسعينات، والذي رسّخ إقتصاد لبنان في نظام ريعي غير منتج، ولا يعتمد الا على الخدمات وتحديداً المالية.

تلك السياسات هي التي قدّمت إغراءات للمصارف. هي الحكومات السياسية نفسها التي إستدانت من البنوك لتأمين الصرف على المشاريع، وعندما حانت ساعة الحقيقة بعد مضي ثلاثة عقود من الإستدانة، نفض جميع المسؤولين اياديهم من لعبة الديون والإستحقاقات المالية، فبقيت المصارف وحدها تواجه متطلبات المودعين في سحب أموالهم- حقوقهم. لا يعني ذلك الاّ مسؤولية على المصارف التي ذهبت بعضها الى الدخول في لعبة تصفية الحسابات بين بعضها البعض، في شكل حروب اعلاميّة على عدة جبهات، لجذب حسابات مودعين من بنوك الى أخرى، ونتيجة سباق بين أصحاب المصارف لسحب بساط رئاسة الجمعيّة من تحت الرئيس الحالي ​سليم صفير​ الذي يواجه أكبر أزمة تداهم القطاع المصرفي منذ وصوله، ولم يمضِ على تبوّئه منصبه في رئاسة ​جمعية المصارف​ بضعة أشهر. لم يكن صفير مسؤولاً عن الجمعية اثناء الهندسات المالية التي حصلت في السنوات السابقة. أين مسؤولية الذين سبقوه في رئاسة الجمعية؟.

وصل السباق الى حدّ شن الهجمات إنطلاقاً من بيع سندات يوروبوند. بالطبع فإن السندات هي للبيع والشراء، وهي مسألة طبيعيّة في عالم المال والأعمال. لكن همّ المواطن اليوم هو في ضرورة إجهاض عملية الإفلاس التي يتحدث عنها خبراء الإقتصاد والمال، في حال لم يسدّ لبنان مزاريب الهدر وينفّذ عملية إصلاح جذرية وواسعة.

لن يكون الحل عند القطاع المصرفي، لأنّ الحلول هي من مسؤوليات ​الحكومة​ في اتخاذ قرارات منتظرة داخلياً وخارجياً. واذا كانت الإجراءات مؤلمة كما وصفها ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، فإنّ الترقب يسود بشأن مضمون الشروط التي يضعها ​صندوق النقد الدولي​ لمؤازرة لبنان: هل يمكن إبعادها عن ​الضرائب​ ولا سيما على ​القيمة المضافة​؟.

يقول مطّلعون إن مجموعة خيارات مطروحة للتعامل مع الاستحقاقات المالية ومحاكاة هواجس الصناديق الدولية قبل ضخّ أموال في الخزينة اللبنانيّة، بغضّ النظر عن سبُل تعاطي الحكومة اللبنانيّة مع سندات يوروبوند.

فإذا كانت الحملات الإعلاميّة المتضاربة تركّز على تداعيات دفع او عدم دفع مستحقات لبنان سلباً وإيجاباً، فإن لبنان كلّه سيدفع ثمن حروب مصرفية مفتوحة ستضرب قطاعاً يشكّل أحد ركائز ​الإقتصاد اللبناني​.