منذ التسوية الرئاسية بين "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل"، لم يكن أحد في لبنان يتصور أن يعود رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى صفوف المعارضة، نظراً إلى أن أساسها يقوم على معادلة بقائه في السراي الحكومي طوال سنوات عهد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، رغم "المطبات" الكثيرة التي وقعت فيها العلاقة بين الجانبين، في ظل الضغوط الكبيرة التي كان يتعرض لها الحريري في أوساطه الشعبية.

بعد إستقالته، على خلفية الإنتفاضة الشعبية في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، حاول رئيس الحكومة السابق العودة إلى موقعه إنطلاقاً من الشروط التي سعى إلى فرضها على قوى الأكثرية النيابية، إلا أنه لم ينجح في ذلك في ظل الموقف المتشدد من جانب "التيار الوطني الحر" أولاً، وباقي القوى التي من المفترض أن تسميه في الإستشارات النيابية الملزمة ثانياً.

اليوم، قرر الحريري الإنتقال إلى صفوف المعارضة، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل بعد إسقاط حكومته من قبل قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، ثم الذهاب إلى تسمية رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ في العام 2011، بعد إقناع رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​ بهذا التوجه، لكن على ما يبدو يحاول رئيس الحكومة السابق تجنب الأخطاء التي وقع فيها حينها.

في هذا السياق، تعيد مصادر سياسية، عبر "النشرة"، قراءة المشهد السابق، عبر الإشارة إلى أن الظروف الإقليمية لم تكن مساعدة لرئيس الحكومة السابق، خصوصاً مع إندلاع الحرب السورية، حيث راهن على العودة إلى البلاد عبر بوابة ​مطار دمشق الدولي​، وبالتالي تركز إهتمامه على الحدث السوري تاركاً الساحة اللبنانية إلى مساعديه، الأمر الذي ترجم بحالة من الفراغ دفع ثمنها في العديد من الإستحقاقات لاحقاً، لا سيما أن قاعدته الشعبية كانت قد تشتتت على أكثر من صعيد.

من وجهة نظر هذه المصادر، يبدو أن الحريري بات يدرك جيداً طبيعة الأخطاء التي وقع فيها، والتي دفع ثمنهاً في التسوية الرئاسية من خلال تقديم تنازلات كبيرة للعودة إلى السراي الحكومي، بالرغم من أنه حينها كان يملك الأكثرية النيابية، وتشير إلى أن أساسها هو تركه الساحة، الأمر الذي أكده في خطاب ذكرى الرابع عشر من شباط أنه لن يكرره، بالقول أنه باق هنا ولن يغلق بيته السياسي.

إنطلاقاً من ذلك، توضح المصادر نفسها أن رئيس الحكومة السابق ينطلق في معارضته الحالية من معادلة أساسية، تكمن بإعادة ترتيب بيته الداخلي، سواء على مستوى تيار "المستقبل" أو على مستوى القاعدة الشعبية الأوسع، نظراً إلى المنافسة التي يشهدها على هذا الصعيد، بالتزامن مع عدم خوض مواجهات على أكثر من جبهة، حيث التركيز على "التيار الوطني الحر" مقابل تحييد باقي قوى الثامن من آذار، في مؤشر قوي على أنه لا يريد إحراق مراكب العودة إلى السراي الحكومي.

في الإطار نفسه، ترى المصادر السياسية أن الحريري يسعى بالتزامن إلى إعادة ترتيب أوراقه على المستوى الإقليمي، خصوصاً على المستوى الخليجي، بعد أن كان قد تعرض إلى موجة واسعة من الإنتقادات بسبب التسوية الرئاسية التي أقدم عليها، وهو ما يفسر الزيارة التي يقوم بها إلى دولة الإمارات العربية، والتي قد تكون مقدمة نحو أخرى يقوم بها إلى المملكة العربية السعودية، حيث المدخل الأساسي لإعادة تثبيت زعامته.

في المحصلة، لدى هذه المصادر قناعة بأن رئيس الحكومة السابق لا يقود معركته اليوم بطريقة عشوائية، بل على العكس من ذلك هو يدرك ما يريده ويسعى إلى تأمين كل أوراق القوة التي يحتاج اليها، والتي تبدأ من تعزيز الزعامة المحلية والعلاقة مع القوى الإقليمية المؤثرة، نظراً إلى أنها ستعيد فرض عودته بقوة عندما يحين الوقت المناسب.