كشف الإعلان عن تسجيل أول حالة إصابة ب​فيروس كورونا​ في ​لبنان​، يوم الجمعة الماضي، أن البلاد لا يمكن أن تتوحد حول أي أمر، مهما كانت الصعوبات أو التحديات التي تواجهها، حيث من الممكن أن يتحول فيروس يهدد ​العالم​ إلى مادة إنقسام بين الأفرقاء اللبنانيين، تدخل في لعبة الإنقسامات والمحاور الإقليمية والدولية، وكأن القسم الأكبر من المواطنين والمسؤولين يعيش في مكان منفصل كلياً عن الواقع، لا ينظر إلى أي أمر إلا من منطلق الربح والخسارة.

وصول الفيروس إلى لبنان لم يكن أمراً مستبعداً، لا سيما مع إرتفاع عدد الدول التي أعلنت عن تسجيل إصابات في الأيام الماضية، وبالتالي هو لم يعد محصورا في عدد محدد من الدول، لكن "الصدفة" قادت أن تكون المصابة سيدة قادمة من زيارة إلى ​إيران​، الأمر الذي فتح شهية البعض للتصويب السياسي على ​طهران​، وعلى القوى المتحالفة معها، خصوصاً أن ​وزير الصحة​ العامة ​حمد حسن​ من المحسوبين على "​حزب الله​"، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يحصل بصورة معاكسة فيما لو كانت قادمة من دولة أخرى، ك​السعودية​ مثلاً.

إنطلاقاً من ذلك، بدأ البعض في الترويج لمجموعة واسعة من النظريات التي لا تقترب من الواقع بصلة، أبرزها أن إيران تعمدت عدم منع السيدة المصابة من الصعود إلى الطائرة، ما دفع جمهور الفريق الآخر إلى الإستنفار للدفاع عن طهران، لا سيما بالنسبة إلى الدعوة إلى تعليق الرحلات القادمة منها إلى لبنان، والجانبان لم يتعاملا مع ​الأزمة​ إلا من منطلق "النكايات"، بدل البحث في كيفية تفادي إنتشار الفيروس الذي يتميز بسرعته على هذا الصعيد.

تسجيل أول اصابة بفيروس كورونا ليس الحدث الأول الذي يظهر هذا الواقع المرير، لأنّ اللبنانيين لم يتحدوا سابقاً لا أمام عدوان إسرائيلي ولا أمام تهديد إرهابي ولا أمام إنهيار مالي-إقتصادي، واليوم يبدو أنهم عاجزون عن ذلك في مواجهة هذا الفيروس، ما يدفع إلى السؤال عن الشيء الذي من الممكن أن يوحدهم فعلياً، ويدفعهم إلى الشعور بوحدة المصير على هذه البقعة من الأرض.

هذا الواقع، يدفع إلى السؤال عما إذا كانت أي مصيبة قد تحصل يجب أن تضرب جميع المواطنين بالتساوي، كي لا "تغضب" أي جماعة محلية، سواء كانت طائفية أم سياسية، كما أن مصدرها يجب أن يكون من جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة المحلية أيضاً، نظراً إلى أن التعامل على قاعدة 6 و6 مكرر يجب أن يكون في كل شيء.

من الناحية العملية، هذه هي المشكلة الأساس التي من المفترض البحث عن حل لها في أسرع وقت ممكن، وهي التي تدفع الكثيرين إلى محاولة إستغلال أي أزمة قد تقع، من التجّار الذين رفعوا أسعار المواد الغذائية، بشكل جنوني، مباشرة بعد إنفجار الأزمة المالية-الإقتصادية، إلى أولئك الذين عمدوا إلى رفع أسعار الأدوات الطبية الّتي تساعد بالحماية او الوقاية من الفيروسات، كـ"الكمّامات"، قبل ساعات من الإعلان رسمياً عن تسجيل الإصابة بكورونا، غير آبهين بالتداعيات التي قد تترتب من جراء ذلك على صحة المواطنين!.