بات من الواضح أن هناك موقفين دوليين من التطورات على الساحة المحلية، الأول تقوده الولايات المتحدة غير المهتمّة بما قد يحصل جرّاء تطور الأوضاع الماليّة والإقتصاديّة على ما يبدو، أما الثاني فتقوده ​فرنسا​ غير الراغبة في وصول لبنان إلى مرحلة الإنهيار التي قد يكون لها تداعيات خطيرة، ربما تقود إلى تضرّر مصالحها بشكل أو بآخر، إلا أنّها في المقابل تضع رزمة من الشروط أو المطالب التي تبدأ من بيروت وليس من أيّ مكان آخر في العالم.

ضمن هذا السياق، تنشغل الساحة اللبنانية، منذ أيّام، بإستحقاق سندات اليوروبوند في التاسع من آذار المقبل، وبموقف ​صندوق النقد الدولي​ بعد أن طلبت حكومة حسان دياب رسمياً المشورة الفنيّة منه، لكن ما هو أكيد أنّ أيّ خيار لا يمكن أن يكتب له النجاح من دون دعم الدول الصديقة، الأمر الذي ترسم حوله علامات إستفهام كبيرة، نظراً إلى أن الكثير من هذه الدول لم تبدِ أيّ حماسة عمليّة حتى الساعة، مكتفية بالمواقف الإعلاميّة التي لا تغني عن جوع.

إنطلاقاً من هذه الخلفية، تقرأ مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، مواقف رئيس الحكومة حسّان دياب خلال جلسة ​مجلس الوزراء​ السابقة، بعد رفع الرجل سقف المواجهة عالياً بوجه المحرضين على حكومته في الخارج، في حين هو يسعى للقيام بجولة خارجيّة تضع على رأس قائمة أولوياتها السعي إلى تأمين الدعم المالي اللازم، لا سيّما بعد أن فرض تسجيل أول إصابة ب​فيروس كورونا​ تحدّياً جديداً لم يكن في الحسبان، الأمر الذي أثار إستغراب الأوساط التي كانت تعتبر أن رئيس الحكومة سيبقى بعيداً عن أيّ سجال سياسي، خصوصاً مع تيار "المستقبل".

وبعيداً عن هذا السجال المستجد، الذي قد يتصاعد أو يهدأ في الأيام المقبلة، تبقى المعادلة الأساسية في موقف القوى الدولية والإقليمية الفاعلة على الساحة المحلية، من دون تجاهل قدرة رئيس الحكومة على اللعب على التناقضات، لا سيما أن لبنان كان قد تبلغ، منذ ما قبل تسميته، الإستعداد للمساعدة من بعض الجهات بغض النظر عن اسم شاغل ​السراي الحكومي​، خصوصاً أن موعد الحسم يقترب مع مرور الوقت، بحسب ما ترى المصادر نفسها.

بالنسبة الى هذه المصادر، هناك أكثر من إشارة إيجابيّة يمكن تسجيلها على هذا الصعيد، تبدأ من الموقف الفرنسي ولا تقف عند الموقف الإماراتي، في ظلّ موقف أبو ظبي المتقدّم على الساحة السوريّة، لناحية الإنفتاح على دمشق التي تخوض مواجهة مفتوحة مع الجانب التركي إنطلاقاً من المعارك التي تخاض على جبهة إدلب، وبالتالي لا يمكن توقع تركها الساحة اللبنانيّة بعد دخولها القوي عليها في هذه المرحلة، في ظلّ الإشارات التي ترسل من الجانب القطري غير البعيد أنّ أنقرة طامحة أيضاً إلى الدخول على الساحة المحلية.

بناء على ذلك، ترى المصادر السياسية المطلعة أنّ فرص الإستفادة من هذا الإنقسام قائمة، لكن الأساس يكمن في قدرة باريس على تجاوز الضغوط الأميركيّة أو الحدّ منها، بالتعاون مع بعض الجهات الخارجيّة، لا سيّما الإمارات نظراً إلى أنّ ​السعودية​ أقرب إلى موقف ​واشنطن​، إلا أنّها تشير إلى أنّ ذلك يتطلّب مبادرة من بيروت، ترتكز على القيام بالحدّ الأدنى من الإصلاحات التي يمكن تقديمها على أساس أنها تثبت جدّية ​الحكومة الجديدة​، وتلفت إلى أن الحديث عن ​مكافحة الفساد​ من دون خطوات عمليّة لم يعد ينطلي على أحد، لا في الداخل ولا في الخارج.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأنّه ما لم تبادر السلطات المعنيّة إلى القيام بما هو مطلوب منها، لن يكون أحد بقادر على الدفاع عنها أو تأمين الحد الأدنى من مقومات صمودها، وبالتالي قد لا تجد أمامها إلا كأس صندوق النقد الدولي المُرّ، الذي تتجنب تجرّعه نظراً إلى شروطه القاسية ومواقف بعض الأفرقاء المحليين منه، لا سيما "​حزب الله​".