لا يبدو أن الإدارة الأميركية في طور التراجع عن خطتها في التعامل مع الساحة اللبنانية، بدليل إعلان ​وزارة الخزانة الأميركية​، أول من أمس، لائحة عقوبات جديدة على مؤسسات ومواطنين لبنانيين، بالتزامن مع معلومات عن إحتمال توسّعها في المرحلة المقبلة، تحت عنوان زيادة الضغوط على "حزب الله".

ضمن هذا السياق، برزت معادلة جديدة، كانت قد ألمحت إليها ​السفيرة الأميركية​ السابقة في بيروت إليزابيت ريتشارد، بعد زيارة وداعية إلى ​قصر بعبدا​، تمثلت بحديثها عن أن "الجميع يدرك أن النظام، في العقود القليلة الماضية، لم يكن يعمل وبالتالي هذه فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة"، ما يوحي بأن تفكير واشنطن بات في مكان آخر، يتمثل بصفحة جديدة من المفترض أن تكتب، إنطلاقاً من الأزمتين المالية والإقتصادية.

ما تقدم، من الممكن ربطه، بحسب ما ترى بعض الأوساط السياسية عبر "النشرة"، بطريقة تعاملها مع الأزمة منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي، والتي ألمحت من خلالها أنها لا تمانع التخلي عن بعض حلفائها إذا كان ذلك يصبّ في خدمة مشروعها الأساسي، أي محاصرة "حزب الله"، خصوصاً أنه في البدايات كان واضحا ان الأزمة لا تنحصر بالواقعين المالي والإقتصادي، بل تشمل كذلك السياسي لناحية فقدان الثقة بين الشعب اللبناني والطبقة السياسية القائمة منذ ​إتفاق الطائف​.

من وجهة نظر هذه الأوساط، ما تقدم لا يمكن فصله عن "التهديد" الذي أطلقه كل من مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بلينغسلي ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ​ديفيد شينكر​، تحت عنوان "مكافحة الفساد"، حيث أكد الأول أن بلاده تعتزم محاسبة المسؤولين السياسيين إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وأن على ​الحكومة اللبنانية​ التحرك بسرعة لمعالجة مخاوف المجتمع الدولي من الفساد المستمر في لبنان، في حين أشار الثاني إلى أن الفساد ومقاومة الإصلاح ليسا فقط من اختصاص "حزب الله"، بل هناك مجموعات أخرى بين مختلف المذاهب والطوائف والأحزاب السياسية التي تعارض الإصلاح وانخرطت في أعمال الفساد.

بالنسبة إلى الأوساط نفسها، هذا الواقع يدفع إلى السؤال عما إذا كانت ​الولايات المتحدة​ في طور محاسبة البعض من حلفائها الذين تدور حولهم شبهات فساد، نظراً إلى أن تورطهم أمر لا لبس فيه، وبالتالي هي ستكون مضطرة إلى التخلي عنهم، إلا إذا كانت تنوي حصر المسألة في حلفاء "حزب الله" من قوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​"، وبالتالي تحويل هذه المعركة أيضاً إلى أداة من أدوات الضغط على الحزب في المرحلة المقبلة.

في هذا الإطار، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الموجة الجديدة من العقوبات أو التحركات الأميركية يتم البحث فيها منذ ما قبل نهاية العام المنصرم، وبالتالي كان من المتوقع أن يتم الإعلان عنها قبل اليوم، وهي تستند إلى "قانون ماغنيتسكي*" الذي صدر في ولاية الرئيس السابق باراك اوباما، إلا أن الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ أقدم على تفعيله ليكون عالمياً، وبالتالي يتجاوز المواطنين الأميركيين أو الموجودين على الأراضي الاميركية، إلا أن اللافت أن رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ كان قد طلب، خلال لقاء سابق مع السفيرة الأميركية في بيروت، أن تدعم بلادها لبنان في مسألة مكافحة الفساد، وذلك من خلال تطبيق القانون الأميركي المتعلّق بملاحقة الفاسدين والمتهمين بالمخالفات المالية خارج الحدود الأميركية.

وفي حين قد يكون من المفيد العودة إلى تقرير كان قد نشره السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، على موقع مؤسسة "بروكينغز"، لناحية تخوفه من قيام الحكومة الجديدة باستغلال حملة مكافحة الفساد للإنتقام من حلفاء واشنطن في لبنان، ترى المصادر نفسها أن السؤال الأساسي يتعلق بما إذا كانت واشنطن قد تأكدت بأن أي بديل عن حلفائها الحاليين، في حال قررت التخلي عنهم، قادراً على تأمين مصالحها، وتلفت إلى أن أحداً لا يتوقع أن تكون الولايات المتحدة تريد من خلال العقوبات مكافحة الفساد فقط، وبالتالي هي تبحث عن مصالحها أولاً وأخيراً.

في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أن من الضروري ترقب التحركات الأميركية على الساحة اللبنانية، نظراً إلى أن واشنطن على ما يبدو ليست في وارد التراجع حتى ولو تأخرت بعض الخطوات العملية، وبالتالي هي تعمل من ضمن سياق مشروع محدد الأهداف بشكل دقيق.

* قانون ماغنيتسكي هوَ مشروع قانون قُدّم من قبل الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس الأمريكي وصادقَ عليه الرئيس باراك أوباما في ديسمبر 2012. ينصُ القانون على مُعاقبة الشخصيات الروسية المسؤولة عن وفاة محاسب الضرائب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو عام 2009.