في ظلّ إنشغال السُلطة التنفيذيّة بمُفاوضات إعادة هيكلة الدين، وهو قرار مصيري بالنسبة إلى مُستقبل لبنان، تتوالى إستعدادات فريق عمل رئيس الحكومة حسّان دياب، بعيدًا عن الأضواء، وذلك تحضيرًا لجولة مُهمّة مُرتقبة على عدد من الدول العربيّة و​الخليج​يّة. فما هي أهميّة هذه الزيارة، وما هي العقبات التي تعترض حكومة الدُكتور دياب في المدى المَنظور؟.

أوّلا: بغضّ النظر عن مدى تأثير لائحة العُقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركيّة على أشخاص وكيانات مَحسوبين بشكل أو بآخر على البيئة الحاضنة في "​حزب الله​"(1)، على الإقتصاد اللبناني، الأكيد أنّ هذه الخطوة الجديدة تندرج ضُمن سلسلة مُتلاحقة من الخطوات، تُشكل رسالة مَعنويّة سلبيّة. بمعنى آخر، إنّ الجُهود التي تقوم بها الإدارة الأميركيّة للتضييق ماليًا على "حزب الله" ستستمرّ في المُستقبل، وهي آخذة بالتوسّع أكثر فأكثر، بشكل لا يُمكن إلا أن يزيد الوضعين الإقتصادي والمالي العامين في لبنان سوءًا. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ هذه العُقوبات الجديدة تندرج أيضًا، ضُمن الصراع المُستمرّ بين واشنطن وطهران، والذي لا يبدو أنّه سيصل إلى نهايته في المُستقبل القريب، مع كل الإرتدادات السلبيّة لهذا الصراع على لبنان، وعلى فرص الحكومة الحاليّة بنيل مُساعدات دوليّة عاجلة.

ثانيًا: بدء سُقوط سياسة النأي عن الصراعات الداخليّة التي كان يعتمدها رئيس الحكومة حسّان دياب، بعد تكرار ما ينقل عنه من غمز من قناة لما يُسمّى "سياسات الحريريّة السياسيّة"(2)، الأمر الذي إستوجب ردًا علنيًا رافضًا من جانب كتلة "تيّار المُستقبل" النيابيّة، علمًا أنّ أوساطًا في "التيّار الأزرق" رأت أنّ دياب يُمهّد الطريق لفشله، بإلقاء التهم على الآخرين بالعرقلة، في تكرار لمَعزوفة حلفاء له غرقوا بالفشل قبله! وعلى الرغم من أنّ وتيرة هذا التراشق الإعلامي لا تزال مُنخفضة ومَضبوطة الإيقاع، إلا أنّها تُنذر بأنّ فترة السماح المُعطاة من فريقا سياسيا ضُمن الطائفة السنّية لحكومة الدُكتور دياب، قد لا تطول. والأخطر أن يكون ما نُقل عن رئيس الحكومة بشأن مُحاولات داخليّة لقطع طريق المُساعدات العربيّة والخليجيّة صحيحًا، لأنّ هذا الأمر سيُضيف مُشكلة كبرى إلى المشاكل الجسيمة المُلقاة على عاتق الحكومة.

ثالثًا: إنّ التحرّكات الشعبيّة الغاضبة في الشارع اللبناني تراجعت بشكل كبير في المرحلة الأخيرة، لأكثر من سبب: بدءًا من توسّع حال اليأس من تحقيق أي نتائج، مُرورًا بغرق اللبنانيّين في مشاكلهم المعيشيّة والحياتيّة المُتفاقمة، وكذلك بتراجع الأيادي الخفيّة التي كانت تُحرّك بعض التظاهرات–أقلّه في الوقت الحاضر، وُصولاً إلى عودة بعض القوى إلى تقوقعاتها الحزبيّة والطائفيّة والمذهبيّة بعد سُقوط شعار "كلّن يعني كلّن"، وخروج جهات سياسيّة من الحُكم في مُقابل بقاء جهات سياسيّة أخرى، وكأنّها لا تتحمّل جزءًا من المَسؤولية في ما آلت إليه الأمور في البلاد. لكنّ إمكان مُعاودة التحرّكات في الشارع كبيرة جدًا في أي وقت، بإعتبار أنّ الإحتقان الشعبي بلغ ذروته، والضائقة الإقتصاديّة تشدّ على خناق شرائح واسعة من المُجتمع، وأيّ شرارة يُمكن أن تعود بالأمور إلى نقطة الصفر.

رابعًا: إنّ الحكومة الحاليّة التي نالت ثقة نيابيّة بلغت 63 نائبًا، لا تحتمل أيّ إنقسامات داخل فريق عملها. والتباين الذي ظهر عند مُناقشتها مسألة سداد دُيون لبنان المُستحقّة في موعدها، من عدمه، ومسألة تبنّي خطة الكهرباء السابقة، لا يُبشّر بالخير(3). صحيح أنّ حق الإختلاف في الرأي طبيعي، وحقّ النقاش أيضًا، لكن الأصحّ أنّ هذه الحكومة لن تكون قادرة على تمرير أيّ قرار، ما لم تحصد إجماعًا داخليًّا عليه ضُمن صُفوفها. والسبب بكل بساطة أنّ قوى سياسيّة عدّة تنتظر على المُنعطف–إذا جاز التعبير، لمُعارضة قرارات الحُكومة، ما يستوجب أن تذهب هذه الأخيرة بقراراتها التنفيذيّة يدًا واحدة إلى السُلطة التشريعيّة، وإلا لن تُبصر هذه القرارات النور في المجلس النيابي!.

خامسًا: إذا كانت مُساعدة الدول الأوروبيّة والغربيّة عُمومًا مَشروطة بمدى إظهار السُلطة التنفيذيّة في لبنان جدّيتها في مُحاربة الفساد، ووقف الهدر، وإطلاق الورشة الإصلاحيّة، فإنّ مُساعدة الدول العربيّة والخليجيّة للبنان، مُرتبطة بخلفيّات سياسيّة. من هنا، تأخذ جولة رئيس الحكومة المُرتقبة في المُستقبل القريب إلى عدد من الدول العربيّة والخليجيّة أهميّة كبرى، لأنّ نجاح هذه الجولة العربيّة الواسعة يعني أنّ فرصة إنقاذ لبنان من الإنهيار كبيرة، علمًا أنّ العكس صحيح أيضًا. وبالتالي، الإتصالات قائمة حاليًا لتحضير الأرضيّة لنجاح هذه الجولة، بمُساعدة من بعض الدول، وفي طليعتها مصر عربيًا، وفرنسا دَوليًا. وإذا كان الطريق مَفتوحًا أمام الدُكتور دياب إلى قطر وإلى الكويت مثلاً، فإنّ إستمرار التريّث في إطلاق الجولة العربيّة يعود إلى رغبة رئيس الحكومة بنجاح جولته في كلّ من دولة ​الإمارات​ العربيّة المتحدة والمملكة العربيّة السُعوديّة بشكل خاص، حيث أنه لا يريد القيام بأي خطوة ناقصة في ملفّ علاقات لبنان الخليجيّة.

في الختام، الأكيد أنّ حكومة الدُكتور دياب ستنال فرصتها، وهي باقية في الحُكم خلال العام الحالي في أقلّ تقدير، لكن من شأن مُرور الشهر تلو الاخر من دون تحقيق أيّ نتائج ميدانيّة تُذكر، أقلّه على مُستوى البدء بمُعالجة الأمور الإقتصاديّة والماليّة الضاغطة، أن يرفع مُستوى الإحتقان الداخلي من جديد، وأن يُمهّد الطريق لعودة الضُغوط السياسيّة والشعبيّة الداخليّة. وفي حال تلاقت هذه الضُغوط مع قرار خليجي-دَولي بعدم مُساعدة لبنان، فإنّ آمال الإنقاذ ستكون مَحدودة، بينما مد يد المُساعدة من كبار مسؤولي الخليج للدُكتور دياب، قد يُبدّل الكثير من المُعطيات من السلبي إلى الإيجابي. وبالتالي، الأنظار مَشدودة حاليًا، للدول التي سيزورها دياب، وللنتائج التي ستتمخّض عن هذه الزيارة، والتي من شأنها أنّ تُكمّل الصورة بالنسبة إلى مُستقبل لبنان القريب، خاصة بعد أن يتّضح أسلوب تعامل ​الدولة​ اللبنانيّة مع ديونها المُستحقّة.

(1) لا سيّما منها "مُؤسّسة الشهيد" التي تُعتبر من أهمّ المؤسّسات الخدماتيّة الحيويّة التابعة للحزب، والتي تتمتّع بإمكانات كبيرة جدًا.

(2) عندما تحدّث عن "تراكمات ثلاثين عامًا من السياسات الخاطئة"، وعندما نُقل عنه إمتعاضه من "أوركسترا" تعمل ضُد مصلحة لبنان، وتُحرّض على الحكومة لدى الدول الشقيقة.

(3) رئيس مجلس النوّاب وبعض القوى المَحسوبة عليه عارضوا فكرة ​التمديد​ لبواخر توليد ​الطاقة​، كما أنّ ​مجلس الوزراء​ إنقسم بين مؤيّد لإعادة جدولة الدين تحت مراقبة صندوق النقد، ورافض لهذه الخطوة.