اعتبر ​الشيخ أحمد قبلان​ أن "الخروج من الانهيار الذي دخلنا فيه دونه عقبات تكاد تكون مستعصية، ولكنه ليس مستحيلاً، إذا ما توحّدت الجهود، ووضعت الخطط والبرامج العلمية والمدروسة، بعيداً عن الأطر الطائفية والمذهبية، التي أكّدت التجارب أنها لم تعد مقبولة، بل هي كانت وما زالت السبب الرئيس في سقوط ​الدولة​ بمقوّماتها ومكوّناتها، وأخذت معها الصيغة التي طالما تغنّى بها ال​لبنان​يون، وفاخروا فيها أمام كل حضارات ​العالم​ وثقافاته. لقد اهتزت هذه الصيغة، لأن الخطاب الطائفي قد اغتالها، وسانده الانقسام السياسي، ونخرها تقاسم الدولة وصراع الحصص، حيث أفلست الدولة، ونهبت خيراتها، ووُضع ​اللبنانيون​ أمام حالة مأساوية مخيفة من ​الفقر​ و​البطالة​ والعوز وانعدام فرص العيش الحلال والكريم، وانفلات ​الأمن​ الذي وصل إلى درجة الاستفحال، لأن الجوع كافر، والبطالة أم الرذائل، وما نحن فيه يلامس هذا الواقع، الذي أصبح فيه الرغيف مهدداً، وحبة ​الدواء​ بالكاد مؤمّنة، والهلع أضحى حالة عامة وبخاصة من وباء "​كورونا​"، وكأن اللبنانيين لم يكن ينقصهم سوى هذا الوباء، الذي تحوّل كابوساً يضاف إلى كوابيس الخوف من الآتي؛ نعم خوفهم مبرر، لأن ما نشهده يؤكّد أن "حليمة ما زالت على عادتها القديمة"، فلا إحساس بالمسؤوليات، لا الوطنية ولا الأخلاقية ولا الإنسانية، كي نتمكن من معالجة هذه البلاءات والمصائب التي أصابتنا جراء اقتصاديات ريعية غير مسؤولة، وذهنيات سياسية نخرها سوس التعصب والكيد، وأعمى بصيرتها حب ​السلطة​ والتسلّط".

وأشار المفتي قبلان في خطبة الجمعة، الى "أن الفاسدين قد عاثوا في الوطن، فاشتروا وباعوا واحتكروا وصادروا واسترهنوا الناس، واستأثروا بالفيء، ولم يتركوا للناس إلا الفقر والظلم والجوع والخضوع والإذلال اليومي أمام الأفران وأمام ​محطات الوقود​ وأمام ​المصارف​ وأمام ​الصيدليات​، حتى الكمامات اختفت، وهنا لا بد من التأكيد على وجوب الالتزام بالإرشادات الطبية، وجوباً شرعياً وأخلاقياً ووطنياً، والتقيّد بالتعليمات الصادرة عن ​وزارة الصحة العامة​ والهيئات المسؤولة، بعيداً عن الوصفات العشوائية، كما ينبغي اتخاذ الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بعدم تفشي هذا الوباء والحد من انتشاره، من خلال الحجر الصحي وتجنّب مخالطة الناس ما أمكن".

ولفت إلى أن هؤلاء الفاسدين "لم يتركوا للناس شيئاً إلا وتاجروا به، حتى البلد لم يسلم من بازاراتهم، الأمر الذي ضيّع البلد، وعطّل البوصلة الوطنية، ووضع الجميع أمام الحائط المسدود الذي لا يمكن خرقه، طالما بقي الشعور الوطني معطلاً، ومنطق المساجلات والكيديات قائماً، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى مواقف استثنائية، وقرارات نوعية، تتخذها هذه ​الحكومة​ وتتمحور حول رفع الحصانات واسترداد ​الأموال المنهوبة​، ومحاسبة الفاسدين والمحتكرين والمتحوّتين، وإعادة جدولة ​الدين العام​، وعدم الخضوع لإملاءات ​صندوق النقد الدولي​، ما لم تتماهَ وظروف الناس وأوضاعهم المعيشية، واعتماد ​سياسة​ مالية تقشفية على قاعدة "صبرنا على أنفسنا ولا صبر الناس علينا"، فلبنان ليس فقيراً، واللبنانيون قادرون على الصبر والتحمّل وتقديم التضحيات، لأن من استرخص الدماء من أجل عزة وكرامة بلده، يهون عليه كثيراً عملية شد الحزام، على أن يكون خاضعاً ومنصاعاً للسياسة الأمريكية الظالمة، ولكل من يجاريها في تطويق اللبنانيين ومحاصرتهم بالعقوبات، فاللبنانيون صامدون مهما كبر حجم التهويل والتهديد، وسيخرج لبنان من هذا النفق بهمة هذه الحكومة ومن معها من المخلصين والوطنيين الذين يرفضون التبعية والاستزلام، ويستعدون لتقديم ما أمكن لأجل بلدهم الذي بات على المفترق، والحكومة على المحك، وفي مواجهة تحديات داخلية وخارجية كبرى، تتطلب قرارات صعبة ومصيرية، تمكّنها من إجراء الإصلاحات المطلوبة من دون حصص وخطوط حمراء، وتفعيل الأجهزة الرقابية، وتحميل المصارف جزءاً من المسؤولية لأنها أكثر من استفاد واستغل ​المال​ وساهم بما نحن فيه من عجز وانهيار".