مع دخول سورية، وبدعم من حلفائها، معركة تحرير ما تبقى من ​محافظة إدلب​ الحدودية مع ​تركيا​، من قوى الإرهاب، وفي ظلّ انخراط الحكم التركي ال​أردوغان​ي المباشر والعلني في القتال إلى جانب الإرهابيين المتقهقرين، تكون سورية قد دخلت الفصل الأخير من حربها الوطنية، التي تخوضها منذ أكثر من ثماني سنوات ضدّ أشرس حرب إرهابية كونية واجهتها دولة في التاريخ.. ولا شك في انّ اندفاع الرئيس التركي رجب أردوغان الى الزجّ ب​الجيش التركي​ لحماية الإرهابيين، والهجوم على ​روسيا​ لدعمها سورية، إنما يكشف حالة الهستريا التي باتت تسيطر عليه لشعوره انّ استثماره في الإرهاب، لابتزاز الدولة الوطنية السورية، يوشك على الانتهاء.. وانّ مرحلة السماح الروسي الذي أعطي له لتنفيذ اتفاقات أستانة، سوتشي قد انتهى، بعد أن أضاع أردوغان عشرات الفرص والمواعيد، عن عمد، لتنفيذ هذه الاتفاقيات. وبعد أن باتت أولوية سورية هي تحرير إدلب، لأجل إنهاء ما تبقى من إرهاب على أرضها، والانطلاق للمرحلة الأخيرة من إنهاء الحرب الإرهابية، وهي إجبار ​القوات​ الأجنبية المحتلة، الأميركية والتركية، على الرحيل عن الأرض السورية دون قيد ولا شرط.. من هنا يمكن لنا أن نفهم لماذا قرّر أردوغان ان يكشف عن دوره الحقيقي في رعاية وحماية ودعم الإرهابيين بكلّ منوعاتهم، ويفضح أكذوبة زعمه بأنّ هناك جماعات مسلحة إرهابية متطرفة، وجماعات مسلحة معتدلة.. فقد تبيّن للرأي العام بأنّ هذا الفصل المزعوم، بين ​الجماعات الإرهابية​، إنما كان مناورة من قبل أردوغان كي يوفر الحماية والدعم للتنظيمات الإرهابية، لتكون بمثابة حصان طروادة بالنسبة له لاستخدامها، بغية مواصلة احتلاله أجزاء من الأرض، والعمل على إحداث تغيير ديمغرافي فيها، من ناحية، ومحاولة تشريع وجود هذه التنظيمات على اعتبارها معتدلة لتكون جزءاً من العملية السياسية وانتزاع حضور لها في معادلة الحكم في سورية، لتشكيل أداته للتدخل في الشأن الداخلي لسورية، من ناحية ثانية…

من هنا باتت المعركة واضحة.. لم تعد فقط مع بقايا الإرهاب، وإنما أصبحت مع الأصيل وهو الحكم التركي الذي دعم الإرهابيين ومكّنهم، منذ بداية الحرب الإرهابية من الدخول إلى ​الأراضي السورية​، عبر الحدود التركية، وجعل من الأراضي التركية قاعدة لتدريب وتسليح وانطلاق مجاميع الإرهابيين، من كلّ الأنواع والأصناف والجنسيات، للاعتداء على سورية واحتلال أرضها، بهدف تحقيق مشروع أردوغان لاستعادة أمجاد السلطنة العثمانية الاستعمارية البائدة.. إما عبر التمكّن من إسقاط الدولة الوطنية السورية والسيطرة عليها من قبل ​جماعة الإخوان المسلمين​ التي ينتمي إليها، أو عبر سلخ ​الشمال​ السوري عن ​الدولة السورية​ وضمّه إلى تركيا.. وهو طبعاً ما فشل فيه فشلا مدوياً..

في هذه المعركة المكشوفة مع النظام التركي، سيكون النصر الحتمي حليف سورية وحلفائها لعدة أسباب..

السبب الأول، انّ سورية تواجه غزو الجيش التركي للأرض السورية، وبالتالي هي تدافع عن سيادتها واستقلالها في مواجهة عدوان عليها، حسب كلّ القوانين والمواثيق الدولية، وفي هذه الحالة فإنّ أردوغان يفتقد إلى أيّ غطاء دولي، بل هو في موقع المدان لاعتدائه على سيادة دولة عضو في ​الأمم المتحدة​…

السبب الثاني، انّ الجيش التركي يقوم بالاعتداء على سورية لحماية الجماعات الإرهابية المصنّفة من قبل الأمم المتحدة باعتبارها منظمات إرهابية.. ويعلن أردوغان بأنه يريد تمكين هذه التنظيمات الإرهابية من استعادة سيطرتها على المناطق السورية، التي استعادها مؤخراً ​الجيش السوري​، وهذا سبب كاف أيضاً لجعل موقف أردوغان في موقف حرج دولياً.. حتى انّ حلف الناتو، الذي تنتمي تركيا، لم يوافق على دعم أردوغان في حربه، مما دفعه إلى إعلان فتح حدود تركيا أمام هجرة ​النازحين السوريين​ الى ​أوروبا​، في محاولة لابتزازها ودفعها إلى تقديم الدعم العسكري له..

السبب الثالث، انّ أردوغان يورّط تركيا في حرب ضدّ سورية، من دون وجود أيّ مبرّر، فالجيش السوري لم يعتد على تركيا حتى يُقال انّ هناك تهديداً للأمن القومي التركي استدعى الدخول في حرب مع سورية، بل العكس هو الحاصل، أردوغان هو من يعتدي على سورية ويهدّد أمنها واستقرارها، ويدعم الإرهاب.. وفي مثل هذا الوضع لا يستطيع أردوغان ان يحصل على غطاء تركي داخلي كبير يدعم حربه ضدّ سورية، ويقتل فيها جنود أتراك، ويستنزف ​الاقتصاد التركي​ في الوقت نفسه.. وهذا ما تعكسه مواقف قوى المعارضة وفي مقدّمها حزب الشعب الجمهوري..

السبب الرابع، في مقابل موقف أردوغان الضعيف، داخلياً وخارجياً، فإنّ سورية تحظى بموقف قوى، وطنياً وعربياً ودولياً، في مواجهة العدوان التركي، فهي، أولاً، تستند إلى عدالة موقفها في الدفاع عن أرضها وسيادتها في مواجهة عدوان تركي يدعم القوى الإرهابية، وثانياً، تحظى بدعم قوي من حلفائها في محور ​المقاومة​، وروسيا والصين…، فيما القانون الدولي في صفها، لانه معتدى عليها، وثالثاً، هي لا تخاف حرب الاستنزاف، فهي دفعت الفاتورة على مدى أكثر من ثماني سنوات من الحرب الإرهابية، حيث دمّرت ​البنى التحتية​ والمعامل، التي سرق قسم كبير منها الى تركيا، بل انّ من عليه الخوف من الاستنزاف هو الحكم التركي الذي سيدفع ثمناً فادحاً من جنوده وعتاده العسكري واقتصاده، حيث مع بدايات إعلان سقوط أعداد القتلى من العسكريين الأتراك سجلت قيمة ​الليرة التركية​ تراجعاً ملحوظاً.. ورابعاً، في مثل هذه الحرب فإنّ الجنود السوريين، على عكس الجنود الأتراك، يقاتلون بروح الاستعداد للشهادة دفاعاً عن وطنهم وكرامتهم، مستندين إلى دعم شعبي واسع، والى خبرة وقدرة قتالية كبيرة، حصلوا عليها على مدى سنوات الحرب الإرهابية.. ويستندون كذلك دعم المقاومين الأبطال في محور المقاومة، وإلى امتلاكهم أسلحة متطوّرة، حصلوا عليها من حلفائهم، تمكّنهم من إلحاق خسائر فادحة بالعدوان التركي وجعل تورّطه في دعم الإرهابيين مكلفاً جداً، وتداعياته السلبية على مستقبل أردوغان، كبيرة.. فكلما استمرّ الرئيس التركي في عدوانه، ورفض التراجع والتخلي عن أطماعه وأحلامه الاستعمارية البائسة، كلما ارتفعت فاتورة عدوانه، وازدادت معها المعارضة التركية، الشعبية والسياسية، للحرب وسياسات أردوغان، وبالتالي ضعفت شعبيته.. فيما أفق عدوانه مسدود.. لأنّ ما عجزت عن تحقيقه جيوش الإرهاب المدعومة من أكبر تحالف دولي بقيادة أميركا، لن يستطيع جيش أردوغان من بلوغه، مهما عربد واوغل وتمادى في عدوانه على سورية…