منذ تسمية ​حسان دياب​ ل​رئاسة الحكومة​، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول قدرات الرجل، أولاً لناحية ​تأليف الحكومة​ التي يريدها وثانياً لناحية حجم ​الأزمة​ التي تمر بها البلاد، لكن مع تجاوز هذه المرحلة بولادتها فتحت بوجهه حملة واسعة من الإستهداف، دفعته أول من أمس، للمرة الثانية، للخروج عن صمته للحديث عن "الأوركسترا" التي تلجأ إلى التزوير واجتزاء الحقائق للتشويه والتحريض.

البحث في ما يتعرّض له دياب، الذي نجح في تشكيل حكومة اختصاصيين ولو بالحدّ الأدنى المتعارف عليه، من المفترض أن ينطلق من هذه المعادلة تحديداً، نظراً إلى أن نجاحها سيمثّل إدانة لتركيبة الحكومات السابقة، التي كانت تقوم على الشخصيّات الحزبيّة السّياسية بشكل أساسي، بينما الواقع اليوم يختلف حيث اضطرت القوى الداعمة لها إلى تقديم اختصاصيين.

في هذا السياق، بات من الواضح أن الرجل يتعرض إلى حملة من التجنّي، تخرج في معظم الأحيان عن الإطار السياسي التقليدي، سواء عبر فبركة المواقف أو عبر إجتزاء تلك التي يدلي بها، كما حصل مؤخراً بالنسبة إلى كلمته أمام السلك القنصلي حول الواقع الذي وصلت إليه البلاد، حيث تم التعامل معها على قاعدة "لا إله" من دون "إلا الله"، أيّ كامل الكلمة التي تحدث فيها عن ضرورة التصدّي للتحديات.

من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، أهم ما يميز دياب هو عدم اللجوء إلى إطلاق الوعود الكاذبة أو تلك البعيدة عن الواقع، وبالتالي هو منذ البداية يصارح ال​لبنان​يين بحقيقة الأوضاع التي لا يتحمّل المسؤولية عنها، فهو لم يمضِ على ولادة حكومته أكثر من أسابيع قليلة، بينما المطلوب منه معالجة أو الحدّ من تداعيات أزمة عمرها أكثر من 30 سنة، وتسأل: "لماذا لم يتمّ التعامل مع رؤساء الحكومات السابقين على هذا الأساس، في حين أن تجربتهم ومسؤولياتهم عن الواقع الراهن لا تقارن بتلك التي لدى دياب"؟.

وتشير المصادر نفسها إلى أن رئيس الحكومة يدرك جيداً حجم التحديات التي تنتظره، لكنه في المقابل قدم أكثر من رسالة إيجابية لإفساح المجال أمامه للنجاح فيها، أبرزها التعهد مع الوزراء بعدم الترشّح للإنتخابات النّيابية المقبلة أو دعم أيّ مرشح لها، بالإضافة إلى تأكيده في مناسبات عدّة أنه لا يطمح إلى الزعامة السّياسية، التي يسعى لها كل من يصل إلى ​السلطة​، وبالتالي من المفترض التعامل إنطلاقاً من ذلك، بدل الإستمرار في حملات التجنّي التي لن تصبّ في صالح البلاد.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الأخطر من كلّ ذلك هو حملات التحريض على الحكومة التي تحصل في الخارج، لدى الدول الشقيقة والصديقة، لدفعها نحو عدم تقديم أيّ مساعدة للبنان الذي يواجه واحدة من أخطر الأزمات التي مرّت عليه منذ تاريخ ولادته في العام 1920، وتسأل: "هل سيكون دياب هو المتضرّر الوحيد من جرّاء ذلك"؟، لتجيب: "البعض يتعامل مع الواقع الحالي من دون أيّ حسّ بالمسؤولية الوطنيّة، وكأنّ البلاد تمرّ بظروف عاديّة لا تستدعي تضافر كل الجهود".

في هذا الإطار، تعتبر المصادر السياسية المتابعة أنّ منح دياب الفرصة اللازمة أكثر من ضرورة، خصوصاً أن ليس هناك من بديل حاضر لتولي المهمّة في حال إستقالته أو إسقاطه، في ظل الظروف المحليّة والإقليميّة المحيطة، في حين أنّ المطلوب السرعة في اتّخاذ القرارات نظراً إلى تأخّر المعالجة سنوات طويلة، وتشدّد على أنّ المشكلة أبعد من طرح البعض الذهاب إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة، أو تشكيل حكومة جديدة ليس هناك أيّ إتفاق أوّلي حول صيغتها، وإلاّ لكانت ولدت كبديل عن الحكومة الحالية.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر أنّ البديل عن حكومة دياب، في حال رحيلها، لن يكون إلا الفراغ أو المجهول، بينما البلاد بحاجة إلى وجود حكومة تعمل ولو بالحدّ الأدنى، لا سيما مع تعاظم التحدّيات، التي لم تعد تقتصر على الأوضاع الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة، بل وصلت إلى الشقّ الصحّي في ظلّ تسجيل عدد من الإصابات ب​فيروس كورونا​.