يبدو أن ​لبنان​ يتجه إلى عدم دفع المستحقات المالية في التاسع من آذار، وأن الموقف الذي ستتخذه ​الحكومة​ هو طلب جدولة الدين، لكن هذا القرار يخضع هذا الأسبوع للكثير من ​النقاش​ والتمحيص لتجنب أي تداعيات سلبية لأي قرار تتخذه الحكومة، خصوصاً وأن أي قرار سيتخذ إن كان بالدفع أو عدم الدفع وطلب الجدولة يحتاج إلى تغطية دولية، وهذه التغطية لم تتوفر بعد رغم ​الاتصالات​ والمشاورات التي تجري على اكثر من صعيد في العلن أو خلف الكواليس.

وإذا كان القرار الداخلي بات شبه محسوم لجهة عدم الدفع، فإنه على المستوى الدولي ما زال غامضاً ومبهماً، وهو ما يجعل المرجعيات المالية والاقتصادية في لبنان تميل إلى عدم الدفع، وتفضل ان يلتزم لبنان بتعهداته المالية تجنباً لتحمل أية تبعات سلبية.

وفي دلالة واضحة على ​الوضع المالي​ والاقتصادي المأزوم وعدم القدرة على اخراجه من النفق هو ما قاله أمس الأوّل رئيس الحكومة ​حسان دياب​ حيث شخّص الواقع اللبناني بكل شفافية ووضوح من خلال تأكيده ​العجز​ في اتخاذ القرار في ما خص مستحقات الديون أو غيرها من الاستحقاقات وهو ما يعني ان هذه ​الأزمة​ ما تزال طويلة، وأن المعالجة ليست في متناول اليد بعد لاعتبارات داخلية وخارجية.

ومن البديهي القول بأن الأزمة التي يُعاني منها اليوم لبنان، لن تجد الطريق إلى الحل في وقت قريب، لأنه شئنا أم أبينا فإن الوضع في لبنان ليس معزولاً عن محيطه أو عن التطورات الموجودة في المنطقة، واقل ما يُمكن قوله ان الوضع اللبناني لن يتبلور قبل معرفة المسار السوري وكذلك العراقي، بالإضافة الى الدور التركي في ​سوريا​ في هذه المرحلة، إضافة إلى حجم ما يُمكن ان يتعرّض له من ​عقوبات​ أميركية، خصوصاً وأن هناك حديثاً من ان رزمة من العقوبات على الطريق، وهذا الأمر الخطير لا يُمكن تحديد معالجته الا عن طريق الحديث المباشر مع ​الإدارة الأميركية​ وهذا بالتأكيد لن يتم قبل ان يطل أوّل موفد أميركي رفيع المستوى على لبنان، إذ ان زيارة الموفدين اللبنانيين إلى ​واشنطن​ والتي حصلت في الأشهر الماضية بغية توضيح وجهة نظر الموقف اللبناني الرسمي لم يكن لها أية جدوى بدليل ان المسؤولين الأميركيين كانوا يقولون للمسؤولين اللبنانيين شيئاً، وما يصدر عن ​الخزانة الأميركية​ كان مختلفاً كلياً عمّا يقال في الأروقة السياسية الأميركية.

زيارة وزير الخارجية إلى ​باريس​ لم تسمن ولم تغنِ عن جوع...

وفي هذا المجال، تكشف مصادر سياسية متابعة ان النظرة الدولية للبنان غير مريحة، وأن قابل الأيام يحمل مؤشرات سلبية تجاه التعاطي الخارجي مع لبنان بفعل الإصرار على تصوير لبنان بأنه ما زال عاجزاً عن إنجاز الإصلاحات المطلوبة كمقدمة لمساعدته.

ورأت هذه المصادر ان زيارة وزير الخارجية ناصيف حتّي الأسبوع الماضي إلى العاصمة الفرنسية لم تقدّم أو تؤخّر على مستوى الواقع اللبناني، وهذه الزيارة كانت مناسبة للمسؤولين الفرنسيين تحدثوا فيها مع الوزير حتّي بالمباشر، وملخص ما قالوه ان ​فرنسا​ كانت وستبقى إلى جانب لبنان، وهي لن تألوَ جهداً في تقديم المساعدات المطلوبة على كل الصعد، غير ان هذا الكلام اتبعوه بكلام آخر غير مشجع إذ أكدوا ان لا دعم مباشر ولا قرش واحد، قبل الولوج في الإصلاحات وأن المعلومات المتوافرة للفرنسيين بهذا الخصوص ما تزال غير مشجعة، وهو ما يحملهم على التريث في اتجاه تقديم أي مساعدة مهما كان حجمها أو نوعها.

وفي تقدير هذه المصادر ان فرنسا وحدها غير قادرة على فعل أي شيء تجاه لبنان، خصوصاً وأن علاقاتها في هذه المرحلة غير مريحة مع ​المملكة العربية السعودية​، وكذلك فإن ​الاتحاد الأوروبي​ الذي لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها دعمه لسيادة واستقلال لبنان، غير متحمس على رصد أي مساعدة للبنان من دون ان يلمس ان لبنان بدأ بتنفيذ فعلي للاصلاحات المطلوبة منه، وأن الثقة مفقودة الآن ما بين الاتحاد ولبنان حيث يقول مسؤولون في الاتحاد ان غياب الثقة مرده إلى عدم التزام لبنان بالوعود التي قطعها على نفسه للمباشرة في تنفيذ رزمة من الإصلاحات لخروجه من المأزق المالي والاقتصادي الذي يتخبّط به هذا البلد نتيجة ​الفساد​ وسرقة المال العام، وهذا التضخم الموجود في إدارات ​الدولة​ والذي يساهم إلى حدّ كبير في تردي هذه الأوضاع.

وفوق هذا كلّه، فإن المصادر تقول بأن ​الولايات المتحدة الأميركية​ ما تزال تضع لبنان في الحجر المالي والاقتصادي، وهذا التوجه الأميركي يُشكّل عقبة أساسية امام لبنان، حيث ان هناك الكثير من الدول التي ترغب في مساعدة لبنان، الا انها ما تزال تنتظر ​الضوء​ الأخضر الأميركي الذي على ما يبدو ما يزال بعيداً.