في ​الساعات​ الماضية، سيطر قرار المدعي ​العام المالي​ القاضي ​علي إبراهيم​ المتعلق ب​المصارف​ على المشهدين السياسي والمالي في البلاد، قبل أن يقرر النائب العام لدى ​محكمة التمييز​ القاضي ​غسان عويدات​ تجميد القرار لدراسة تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين وعلى ​الأمن​ الاقتصادي. قبل قرار عويدات، صدرت الكثير من التعليقات السياسية المتباينة بين الأفرقاء السياسيين، لكن خلف الكواليس كان هناك سلسلة من ​الاتصالات​ معه من قبل مسؤولين كبار في ​الدولة اللبنانية​، بعضها لن يتم الإعلان عنه بسبب "الشعبوية" التي تدار بها مثل هذه المسألة، حيث كان المطلوب وقف تداعيات قرار إبراهيم بأي طريقة، نظراً إلى أن المعلومات التي كانت قد وصلت بأن سعر صرف ​الدولار​ الأميركي مقابل ​الليرة اللبنانية​ سيشهد ارتفاعاً جنونياً، فيما لو لم يتم تجميد القرار قبل صباح اليوم.

في هذا السياق، تكشف مصادر قانونية، عبر "النشرة"، أن قرار إبراهيم لم يكن يستند إلى أسس قانونية ثابتة، نظراً إلى أن الإجراءات التي تضمنها منوطة حصراً بقضاة التحقيق والمحاكم الجزائية المختصة وليس بالنيابة العامة، حيث أن أي مخالفة لقانون النقد والتسليف، الذي يرعى عمل المصارف، تحتاج إلى طلب خطي من حاكم ​مصرف لبنان​ للبدء بالملاحقة، الأمر غير المتوفر في الملف الذي ينظر فيه المدعي العام المالي، في حين أن صلاحياته في هذا المجال تنحصر ضمن القواعد والأصول التي يطبقها النائب العام الاستئنافي الذي لا يملك صلاحية وضع إجراءات احترازية.

وتشير هذه المصادر إلى نقطة مفصلية تكمن بأن رؤساء مجالس إدارات المصارف و​المدراء العامين​ قد حضروا أمامه بصفة شهود، وبالتالي لم يكن من الممكن أن يتخذ بحقهم هذه الإجراءات، وبالتالي كان على النائب العام التمييزي، الذي تخضع له جميع النيابات العامة بما فيها ​النيابة العامة المالية​، التدخل. على الرغم من هذه القراءة لقرار القاضي إبراهيم، تلفت المصادر نفسها إلى أنه مؤشر على ضرورة انعقاد ​مجلس النواب​ لتشريع قانون للكابيتال كونترول، بهدف وضع حد للاستنسابية في التعاطي مع المودعين، بالإضافة إلى تشريع قانون الغاء ​السرية المصرفية​ ليتمكن ​القضاء​ من استعادة ​الأموال المنهوبة​ ومعرفة ناهبيها، ومنع المصارف من بيع سندات الخزينة لشخص ثالث وما يحمي الدولة من أي دعوى خارجية.

في هذا الإطار، تؤكد المصادر القانونية على أهمية ما ورد في قرار عويدات نقلاً عن "مصادر موثوقة"، لناحية أن السلطات المالية الدولية تنوي، وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية، وفرضت ضمانات للعمل معها، وبالتالي فإن الاستمرار بقرار إبراهيم كان من شأنه إدخال البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الاعداد لمواجهة ​الأزمة​ التي تمر بها البلاد.

وهذه المصادر الموثوقة التي لم يكشف عنها عويدات كانت مسؤولين كبار في الدولة اللبنانية بشكل أساسي، تواصلوا معه قبل أن يصدر قراره للتأكيد على أهمية صدوره، وتلفت إلى أنهم من الفريق السياسي الذي يشكل الأكثرية النيابية، على عكس ما حاول البعض التصوير عبر الحملة التي شنت ضده على مواقع التواصل الاجتماعي.

في المحصّلة، ما حصل يوم أمس كان جزءاً من مواجهة سياسية كبرى، ضمن لعبة تسجيل النقاط بين الأفرقاء المحليين، لكن النتائج التي كانت ستترتب عليها، بحسب المعلومات التي وصلت إلى المعنيين، أقل ما يقال فيها أنها كارثيّة، الأمر الذي سيتكشف في الساعات أو الأيام المقبلة.