قرار المدّعي ​العام المالي​ القاضي ​علي ابراهيم​ بوضع إشارة على أصول 21 مصرفاً لبنانياً، وإنْ تمّ تجميده، يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنّ المصارف أخلّت بعقدها مع المودعين عندما تصرّفت بأموالهم وحرمتهم من حقهم القانوني بالحصول عليها.. كما أنّ تزامن هذه الخطوة مع قرار ​الحكومة​ رفع ​السرية المصرفية​ عن كلّ من عمل في الشأن العام منذ عام ١٩٩١، يشكل مؤشراً إيجابياً على الاتجاه الذي قرّرت أن تسير فيه الحكومة، بعد دراسة، لمواجهة ​الأزمة​ العاصفة في البلاد، والذي ينتظر ان يتبعه قرارات أخرى بشأن طريقة التعامل مع استحقاق الدين والفوائد، ووضع حدّ للمضاربة في سوق الصرف، وتوحيد سعر صرف ​الدولار​ وبالتالي حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

لهذا فإنّ هذين القرارين أحدثا أربع هزات في أوساط المتضرّرين منهما…

الهزة الأولى، في ​جمعية المصارف​ التي لم تكن تتوقع اتخاذ مثل هذا القرار الذي يقيّد حركة المصارف التي تلاعبت بأموال المودعين الصغار، وعمدت إلى إذلالهم بشكل مخالف للقانون، فيما سمحت لكبار المودعين في تهريب أموالهم إلى الخارج، وحرمت المواطنين من الحصول عن الدولار إلا في نطاق ضيّق جداً ومقنن… مما أدّى إلى استعار المضاربة في سعر صرف الدولار في سوق الصرافة، ولهذا فإنّ القرار أحدث رعباً وهلعاً لدى أصحاب المصارف المستهدفة والتي سيشملها القرار إذا كانت قد ثبت مخالفتها لقانون النقد والتسليف.

الهزة الثانية، في أوساط الطبقة السياسية المتحالفة مع أصحاب المصارف، وهما جهتان تواطأتا وتشاركتا معاً في حصد الأموال الطائلة من ​سياسة​ الريع ورفع الفوائد على الاكتتاب بسندات الخزينة، والهندسات المالية، وتهريب الأموال إلى الخارج عشية تفجّر الأزمة في الشارع وخلالها… وقد جاءت ردود فعل أصحاب المصارف وبعض السياسيين، على قرار القاضي ابراهيم، لتعكس قلقهم من ان يؤدّي القرار إلى انكشاف أدوارهم في تسعير الأزمة وخلق الظروف المواتية ل​انفجار​ الغضب الشعبي في ١٧ تشرين الاول الماضي…

الهزة الثالثة، في أوساط كلّ المسؤولين، والذين عملوا بالحقل العام، والذين نفذوا مشاريع للدولة، والمؤسسات الإعلامية، ذلك أنّ قرار رفع السرية المصرفية عنهم، كما رشح، يندرج في سياق المشروع الذي تعدّه الحكومة ل​محاربة الفساد​ والفاسدين واسترداد أموال ​الدولة​ وحقوقها المنهوبة واستعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج، والتلاعب والاحتيال بشأن بيع سندات دين لمستثمرين أجانب…

الهزة الرابعة، حدثت في أوساط القوى والمجموعات والمؤسسات الإعلامية التي استغلت ​الحراك الشعبي​ وعمدت إلى تسييسه بالاتجاه الذي يخدم التوجه الأميركي لإحداث انقلاب في المعادلة السياسية لمصلحة ​السياسة​ الأميركية، فالقراران يحققان بعض مطالب الناس ويسقطان محاولات كلّ المتضرّرين تحريض الناس ضدّ الحكومة.

انّ هذين القرارين، إذا ما اقترنا بإجراءات تنفيذية، الى جانب اتخاذ القرار المنتظر من الحكومة، للتوقف عن دفع سندات الدين والفوائد، فإنهما سيحدثان صدمة إيجابية على صعيد سعر صرف الدولار ووضع حدّ لإذلال المواطنين من قبل المصارف، ويوفران الأجواء المواتية للحكومة للدخول في ورشة النهوض ب​الاقتصاد​ الوطني الإنتاجي وإيجاد الحلول الحقيقية لأزمات ​الكهرباء​ و​النفايات​ إلخ… وكذلك القيام ببعض الإصلاحات التي ينتظرها ​اللبنانيون​ منذ زمن طويل…