بعد طول انتظار وعلى ضوء أيام من الأخذ والرد، قررت الحكومة تعليق سداد استحقاق 9 آذار من "اليوروبوند" للمرة الأولى في تاريخ ​لبنان​، الأمر الذي يفتح الباب أمام مرحلة صعبة من المفاوضات مع الدائنين من جهة، وأمام مواجهة كبرى حول النظام الاقتصادي القائم من جهة ثانية، بعد أن أكد رئيس الحكومة ​حسان دياب​، في الكلمة التي توجه بها إلى اللبنانيين مساء السبت الماضي، عدم القدرة على الاستمرار بها.

لبنان ليس الدولة الأولى في العالم التي تتخلف عن سداد ديونها أو تعليق دفعها، بحسب التعبير المتفق على استخدامه من قبل الحكومة، لكن الأهم هو السؤال عن الخطوة الثانية التي تلي هذا القرار، والتي تتطلب بشكل أساسي خطة عملية حول كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن ما قدمه دياب لم يكن أكثر من خطوط عريضة.

في هذا السياق، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن من الظلم تحميل حكومة دياب المسؤولية عن الأوضاع الراهنة، خصوصاً أنها ورثت واقعاً صعباً نتيجة السياسات التي تبنتها الحكومات السابقة على مدى أكثر من 30 سنة، وبالتالي لا يجوز مطالبة حكومة، لم يمض على نيلها الثقة أكثر من شهر واحد، بالمعالجة فوراً، نظراً إلى أن لا هي ولا رئيسها تملك عصا سحرية، في حين أن الحد الأدنى من المسؤولية يتطلب انتظار بلورة الخطة التي تعمل عليها.

وتشير هذه المصادر إلى أن الحديث عن عدم وجود خطة أمر مجحف، حيث أن أعضاء الحكومة يطالبون منذ اليوم الأول بفرصة 100 يوم لتقديمها، بينما قرار تعليق سداد استحقاق 9 آذار من سندات اليوروبوند لم يكن قراراً أكثر مما هو تسليماً بالأمر الواقع الذي لا يمكن الهروب منه، بدليل الأسباب الموجبة التي تحدّث عنها دياب شخصياً، وترى أنه بعد انتهاء هذه المدّة من المفترض الانطلاق إلى مرحلة المراقبة والمحاسبة، خصوصاً أن لبنان لا يملك ترف الوقت.

في الإطار نفسه، تستغرب المصادر نفسها الحملة التي رافقت قرار ​الحكومة اللبنانية​، بالرغم من أن جميع المعنيين كانوا يدركون أن ليس هناك من خيار بديل عنه، وبالتالي هو كان أمراً محسوماً، لكن ينتظر الإخراج المناسب بمساعدة المستشارين الدوليين الذين تم الاستعانة بهم، وترى أن البعض كان سيهاجمها بغض النظر عن نوعية القرار، حتى لو كان السداد، انطلاقاً من السعي إلى التعامل معها وفق منطق الانقسام السياسي القائم في البلاد منذ العام 2005.

في المقابل، تعود مصادر سياسية أخرى إلى التأكيد، عبر "النشرة"، إلى أنه في ظل الأزمة المصيرية التي تواجهها البلاد فإن الخيار الأفضل كان وجود حكومة مدعومة من مختلف الأفرقاء اللبنانيين، خصوصاً أن جميع الدول تلجأ في مثل هذه الحالات إلى حكومات الوحدة الوطنية، لكنها ترى بعد ولادة الحالية أن التعامل معها من المفترض أن يكون على أساس المصلحة الوطنية العليا، أي بعيداً عن النكد السياسي، لأن فشلها يعني سقوط الهيكل في ظل غياب التوافق على أي خيار بديل، وتضيف: "من يدعو اليوم إلى رحيل حكومة دياب يدعو للذهاب إلى المجهول بطريقة أو بأخرى".

في المحصلة، لدى هذه المصادر قناعة بأن المرحلة المقبلة لن تكون أسهل من الحالية، لا سيما إذا ما استمر الواقع السياسي على ما هو عليه اليوم، نظراً إلى أن فرص النجاح والفشل في الخروج من الأزمة تبدو متساوية، وهو ما ألمح عليه رئيس الحكومة بحديثه عن أن "عدونا الأول كان دائماً هو نفسه: الانقسام"، وتسأل: "هل سيواجه ​اللبنانيون​ الأزمة بالحدّ الأدنى من التضامن الوطني، أم سيبقى الانقسام الذي يقود إلى الفشل هو سيد الموقف، خصوصاً أن المؤشرات الأولية لا تبدو مشجعة"؟.