لفتت مصادر سياسيّة مواكبة لقرار رئيس الحكومة ​حسان دياب​ بتعليق دفع سندات "اليوروبوندز"، لصحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "موقفه لقي تأييدًا شعبيًّا على خلفيّة قوله إنّ الإحتياطي بالعملات الصعبة لدى "البنك المركزي" يمرّ حاليًّا في مرحلة حرجة وخطيرة، وإن الامتناع عن الدفع سيسمح بتأمين المال لتوفير الإحتياجات الضروريّة ل​لبنان​يين". ورأت أنّه "كان يُفترض أن تحسم الحكومة أمرها بما يتيح لها البدء في التفاوض مع حاملي السندات قبل أسبوعين من استحقاق سدادها".

وتساءلت عن "الأسباب الّتي كانت وراء تلكؤ الحكومة في التحضير لبدء المفاوضات، ما دامت على معرفة كاملة بتراجع الإحتياطي لدى "​مصرف لبنان​"، إضافة إلى أنّ موقف "​الثنائي الشيعي​" يصبّ في الدعوة للامتناع عن سداد السندات، وهذا ما عبّر عنه رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ في أكثر من مناسبة". وأبدت استغرابها من "خلوّ كلمة دياب من أي إشارة لـ"​صندوق النقد الدولي​"، مع أنّه استعان به لتقديم مشورة فنيّة وتقنيّة للحكومة"، مبيّنةً أنّه "يجب عدم تجاهل دور الصندوق، لأنّه هو وحده الّذي يؤمّن ضخّ السيولة بالعملات الصعبة، حتّى لو كان تجاهله يُحدث ارتياحًا لدى "​حزب الله​"، الّذي يتّهم الصندوق بأنّه يريد أن يفرض وصايته على لبنان".

وأكّدت المصادر السياسيّة أنّه "ليس صحيحًا إصدار الأحكام بالنيات على "صندوق النقد". الفرصة تبقى متاحة للتفاهم معه على شروط مقبولة للتعاون"، منوّهةً إلى أنّ "القفز فوق أي شكل من أشكال التعاون معه سيؤدّي إلى إقفال الباب أمام تحريك ​المجتمع الدولي​ لمساندة لبنان ماليًّا". وتساءلت: "كيف يستعد لبنان لجدولة الديون مع إصراره على تغييب أي دور لـ"صندوق النقد" الّذي يُعتبر حاليًّا الرافعة الوحيدة لتأمين ضخّ السيولة؟".

وأشارت إلى أنّ "بري ناقش في اجتماع بعبدا مع حاكم "مصرف لبنان" ​رياض سلامة​ ورئيس "جميعة مصارف لبنان" ​سليم صفير​ مسألة السماح للبنانيّين بالتحويلات بالعملات الصعبة إلى الخارج، وأبلغه سلامة بأنّ في مقدور المودعين تحويل نحو 50 ألف دولار للخارج سنويًّا، لكن لم يحسم ما إذا كان هذا المبلغ سيتأمّن ومن أين". وذكرت أنّ "رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ركّز في الاجتماع على ضرورة حصوله على لائحة بأسماء المودعين الّذين حوّلوا بعض أموالهم إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول الماضي، لكن سلامة أصر على تقيُّده بالسرّية المصرفية وأحاله على ​النيابة العامة التمييزية​. وهكذا قرر لبنان تعليق سداد السندات، لكن الحكومة أحجمت من خلال كلمة دياب عن الخوض في تفاصيل الخطة للتفاوض مع حاملي السندات للبحث معهم في إعادة جدولة الديون".

كما سألت "ما إذا كان لتأخّر الحكومة في خوض المفاوضات علاقة مباشرة بوجود شعور لدى حاملي السندات بأنّهم لن يعترضوا على التفاوض لإعادة هيكلة الدين، وأنّ ما يهمهم تسديدها ولو بعد حين". وفسّرت أنّ "أن مثل هذا الرهان وإن كان يصبّ في مصلحة تمديد المفاوضات، فإنّ ما يهم حملة السندات مبادرة الحكومة إلى وضع خطة تقود في نهاية المطاف إلى سدادها، بدلًا من أن تقتصر كلمة دياب على رزمة من الوعود ليست متلازمة مع خطوات تنفيذيّة. كما أنّ حاملي السندات لا يعيرون أهميّة لتحميل دياب السياسات الّتي اعتمدت في السابق، مسؤوليّة التأزّم الاقتصادي بمقدار ما أنّ ما يهمّهم الحصول على ضمانات لسداد السندات شرط أن تتأمّن بوضع خطة إنقاذية لا تبقى محصورة بالوعود".

وكشفت المصادر أنّ "اللقاء التمهيدي الّذي دعا إليه الرئيس عون وحضره بري ودياب وسلامة وصفير وعدد من الوزراء المعنيّين وفريق من الإستشاريّين في الشؤون الماليّة والقانونيّة، والتواصل كان وراء حسم الموقف لجهة تعليق دفع السندات، الّذي تبنّاه لاحقًا مجلس الوزراء بالإجماع، من دون أن يُدخل على النص المرسل إليه أي تعديل". ولفتت إلى أنّ "بري تصدّى لوحده في دفاعه عن تعليق دفع السندات في مقابل موقف سلامة وصفير اللذين لم يعترضا على الامتناع عن الدفع، وإنّما اقترحا بأن يأتي القرار في هذا الخصوص معلَّلًا ومنظَّمًا كمدخل للتفاوض مع حاملي السندات".

وأفادت بأنّ "سلامة وصفير اقترحا أن تبادر الحكومة من باب إعلان النيات إلى دفع جزء من الفوائد المترتبة على استحقاق السندات، لأنّها بهذه الخطوة تكسب الوقت لمصلحة تمديد التفاوض مع الدائنين لأشهر عدةّ. لكن بري، وبتأييد من الفريق الاستشاري، لم يأخذ بهذا الاقتراح، محمّلًا ​المصرف المركزي​ و​جمعية المصارف​ جزءًا أساسيًّا من المسؤوليّة حيال ما آلت إليه الأوضاع الماليّة في البلد، وكان يُفترض بهما عدم إفساح المجال أمام تراكم حجم ​الدين العام​، وبالتالي أن يبادرا في الوقت المناسب إلى لجم ارتفاع المديونية العامة".

إلى ذلك، أشارت إلى أنّه "تردّد أنّ بري اقترح أن تبادر المصارف إلى توفير المبلغ كدفعة أولية لحاملي السندات، لأنّها حقّقت أرباحًا كبيرة، مع أن مثل هذا الإقتراح كان قد نوقش في الاجتماعات الّتي عُقدت برعاية دياب، والتّي تراوحت المداولات فيها بين فريق يطالب بسداد قسط من السندات وآخر يدعو للامتناع عن سدادها". ولفتت إلى أنّ "دياب ومعه أكثر من وزير كانوا يحبّذون الوصول إلى صيغة لسداد قسم من استحقاق الدين قبل أن يحسم موقفه بتعليق الدفع"، مبيّنةً "أنّها كانت تتوقّع من دياب أن يعلن في كلمته إلى اللبنانيّين عن الخطوط الرئيسية لتأهيل ​قطاع الكهرباء​ بإيجاد الحلول الدائمة لتوليد الطاقة، بدلًا من الاعتماد على الحلول المؤقتة لتوليدها بواسطة استئجار البواخر".

وأكّدت أنّ "جهات رسميّة أشاعت أخيرًا أنّ دياب يميل إلى تأهيل معملي ​دير عمار​ و​الزهراني​ لتوليد الطاقة، إنّما من خلال تلزيمهما لشركات قطرية على أن تُستخدم مادة الغاز لإعادة تشغيلهما"، معتبرةً أنّ "دخول دياب في تفاصيل الحلول الدائمة لتوليد الطاقة سيلقى تأييدًا دوليًّا، لأنّه ينم عن نيته في خفض العجز"، مركّزةً على أنّ "الرهان على تفعيل مقرّرات "​مؤتمر سيدر​" لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الماليّة والاقتصادية ليس كافيًا، لأنّها تؤمن تنفيذ رزمة من المشروعات الإنمائيّة وإعادة تأهيل ​البنى التحتية​".