تراجعت أسعار المُشتقّات ​النفط​يّة بشكل كبير وقياسي خلال الأيّام القليلة الماضية، لتبلغ مُستويات هي الأدنى منذ سنوات طويلة. فما هي الأسباب، وما هي الإرتدادات على ​الإقتصاد​ ​العالم​ي، وخُصوصًا ما هي الإنعكاسات على ​لبنان​؟.

بالنسبة إلى الأسباب المُباشرة لتراجع أسعار برميل النفط(1)، فهي تعود إلى الإنكماش الإقتصادي العالمي منذ مدّة، والذي تأثّر كثيرًا في المرحلة الأخيرة، بفعل إنتشار ​فيروس كورونا​ في أغلبيّة دول العالم، الأمر الذي أثّر سلبًا على الطلب العالمي، بعد تراجع الإستهلاك في كثير من الدول بفعل تراجع حركة التنقّل عُمومًا. وإكتمل المشهد السَوداوي بعد إنهيار إتفاق سابق بين مُنظّمة "أوبك" من جهة و​روسيا​ من جهة أخرى، ودُخول كل من المملكة العربيّة السُعوديّة وروسيا الإتحاديّة في حرب تنافسية شرسة، قضت بزيادة الإمدادات النفطيّة بما يفوق الطلب في الأسواق، ما أسفر تلقائيًّا عن إحتدام المُنافسة وعن هُبوط الأسعار، بفعل مبدأ "العرض والطلب" الغنيّ عن التعريف، علمًا أنّ ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة غير غائبة بدورها عن هذه المُنافسة، حيث أنّها كانت قد أعلنت عن زيادة عدد منصّات إستخراج النفط الصخري في أراضيها، الأمر الذي ساهم من جهته في مزيد من التراجع في الأسعار.

وفي ما خصّ الإراتدادات على الإقتصاد العالمي فهي سلبيّة حتمًا، حيث هبطت قيمة أسهم العديد من الشركات الدَوليّة الرئيسة، لا سيّما تلك المُرتبطة بحركة المُشتقات النفطيّة–إن بشكل مُباشر أو غير مُباشر. وزاد هذا الأمر سلبًا على مُجمل الوضع الإقتصادي العالمي، والذي كان قد تأثّر بفعل حظر السفر إلى الكثير من الدول والمُدن في العالم، فتراجعت أسهم الكثير من شركات الطيران والشركات الكُبرى المُرتبطة بحركة النقل. ولم تسلم الشركات السياحيّة وكل شركات الخدمات المُرتبطة بشكل أو بأخر بالقطاع السياحي العالمي، إلخ. ومع إهتزاز العديد من البورصات العالميّة، وتراجع قيمة الكثير من السندات والعملات، توقع العديد من خبراء الإقتصاد والمال في العالم، الدُخول في أزمة إقتصاديّة–ماليّة عالميّة جديدة، شبيهة بتلك التي حصلت في العام 2008، وذلك ما لم تنحصر التأثيرات السلبيّة لفيروس كورونا قريبًا، والتي كانت بمثابة نقطة الماء التي أفاضت الكوب! وبحسب هؤلاء الخُبراء، إنّ أسباب التعثّر الإقتصادي العالمي المُنتظر مُتعدّدة ومُتداخلة، وأبرزها:

أوّلاً: أزمة فيروس كورونا التي لا تزال تتصاعد على المُستوى العالمي، مُنذرة بمزيد من التعثّر الإقتصادي، بسبب توسّع دائرة الركود.

ثانيًا: إستمرار الخلافات بين الدول المُنتجة للنفط، في ما خصّ الكميّات الواجب إنتاجها وتسويقها، وبشأن أسعار هذه المُشتقّات، الأمر الذي أغرق الأسواق بكميّات مُبالغ فيها، وخفّض الأسعار ومعها الأرباح الضروريّة للإستثمارات.

ثالثًا: خروج ​بريطانيا​ من ​الإتحاد الأوروبي​، ما تسبّب بتأثير معنوي سلبي كبير على الأسواق الماليّة العالميّة، والأوروبيّة بشكل خاص.

رابعًا: إستمرار المنافسة غير المُنظّمة بين الدول الصناعيّة، الأمر الذي أسفر عن إفراط في إنتاج العديد من السلع، بالتزامن مع إنخفاض واضح على مُستوى الحصّة في السوق لكل دولة صناعيّة، وتاليًا في هامش الربح المُحقّق.

خامسًا: غرق المزيد من الدول تحت وطأة ديونها، وعجزها عن إستعادة توازنها، الأمر الذي زاد الجمود في الأسواق الماليّة، وأخاف الجهات التي تؤمّن ​القروض​ عادة(2).

سادسًا: إنتهاء عصر النهضة ​الصين​يّة، وتراجع حجم النموّ وتباطوء الحركة الإقتصاديّة في الصين، في ظلّ عمل الكثير من الدول، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركيّة، على تصعيد مُستوى الحروب التجاريّة الشرسة معها.

سابعًا: الإنكماش الإقتصادي الذي بدأ في العام 2019 الماضي، دخل مطلع العام 2020 الجاري في حال من الركود الشامل، في ظلّ إحتدام الحروب التجاريّة وإرتفاع كلفة الإقتراض التي تُهدّد الأسواق الناشئة.

وبالنسبة إلى إنعكاسات ​الأزمة​ على لبنان فهي غير إيجابيّة بطبيعة الحال، لأنّ دول العالم أجمع ستعمل على إنقاذ أنفسها وعلى دعم شُعوبها، ما سيحرم لبنان من أي مُساعدات مَوعودة، أو سيؤخّرها على الأقلّ. والركود الإقتصادي العالمي يعني تراجع فرص العمل، وبالتالي إنّ اليد العاملة اللبنانية في الخارج، أكان في ​دول الخليج​ أو في ​أفريقيا​ أم في أي مكان في العالم، ستتأثّر سلبًا، وستتراجع بالتالي القُدرة على تحويل الأموال إلى الداخل اللبناني. كما أنّ الضربات المُتتالية التي تلحق بالإقتصاد العالمي وبسوق المُشتقّات النفطيّة تحديدًا، ستُخفّف من حماس الجهات الأجنبيّة التي يُعوّل عليها لبنان للشروع في إستخراج نفطه وغازه في المُستقبل المُتوسّط، الأمر الذي قد يتسبّب بمزيد من التأخير في هذا الصدد، علمًا أنّ الوُصول إلى مرحلة الإنتاج النفطي الربحي طويلة أساسًا في الظروف الطبيعيّة، وهي مرشّحة لتطول أكثر في حال دُخول العالم بأزمة ركود جديدة، وتباطؤ الشركات المعنيّة في عملها!.

وبالنسبة إلى أسعار النفط في لبنان، لا تتوقّعوا إنخفاضًا كبيرًا في المرحلة المُقبلة، بل تراجعًا رمزيًا للأسعار فقط، لأنّ ​الدولة​ التي كانت تُفكّر جديًا برفع أسعار صفيحة ​البنزين​، وأرجأت قرارها بسبب خشيتها من ردّ فعل الرأي العام على هكذا قرار، جاءتها الأزمة العالميّة بحلّ على طبق من فضّة، بحيث أنّ هامش ربح مالية الدولة إرتفع بنسبة كبيرة، نتيجة تراجع أسعار المُشتقات النفطيّة عالميًا، وذلك من دون الحاجة إلى إقتراح أيّ زيادات تستفزّ الناس! وبالتالي، في حال إستمرّت أسعار النفط مُتدنّية عالميًا، ستنجح الدولة في ​تحقيق​ نسبة أرباح مرتفعة، علمًا أنّ هذا الربح سريع ومباشر، لكنّ مردوده الإيجابي محدود نسبة إلى حجم مشاكل لبنان الإقتصاديّة والمالية.

(1) بلغ سعر برميل النفط الخام 32 ​دولار​ًا فقط.

(2) زاد ​الدين​ العالمي بنسبة 50 % خلال العقد الأخير، ووصل إلى 184 تريليون دولار أميركي، أي إلى أعلى مُستوى له في التاريخ.