صحيح ان قرار ​الحكومة​ تعليق دفع سندات اليوروبوندز لم يكن مفاجئاً في ظل ​الأزمة​ المالية التي تشد على خناق ال​لبنان​يين، وان شرائح واسعة من التكتلات السياسية ومعها الشعبية انحازت إلى جانب هذا القرار على قاعدة «مُكره أخاك لا بطل»، فإن هذا الوضع يجب ان لا يجعل اللبنانيين ينامون على حرير وكأن أزمتهم المالية والاقتصادية وضعت على سكة الحل، فهذا القرار الذي اتخذ بعد درس وتمحيص حول التداعيات التي يُمكن ان تنشأ عنه بقي ناقصاً كونه لم يترافق مع خطة مالية واضحة تتضمن الإصلاحات التي يطلبها ​المجتمع الدولي​ من لبنان ليعود ويثق بنظامه المالي، ومثل هكذا خطة كان يتوجّب على رئيس الحكومة ان يضمنها خطابه الذي ألقاه خلال إعلانه قرار الحكومة بتعليق سداد ​الدين​.

لا شك ان ما يجري في لبنان على المستويين الاقتصادي والمالي أساسه الصراع القائم في المنطقة بين نظامين، نظام اقتصادي ليبرالي مرتبط ب​العالم​ الغربي والمؤسسات المالية والذي يمثله في لبنان ​المصرف المركزي​ و​المصارف​ و​الهيئات الاقتصادية​، ونظام مالي خارج عن النمط الغربي ويلتقي مع الدول التي تخلق لنفسها حالة خاصة مثل ​إيران​ وحلفائها في المنطقة.

امام هذا المشهد فإن الصراع الموجود في لبنان كبير، وحله لن يكون بالأمر السهل كون ان المؤسسات المالية و​صندوق النقد الدولي​ أو مؤسسات التصنيف الائتماني لمستوى لبنان هي مؤسسات تابعة للولايات المتحدة بشكل رئيسي، وبالتالي موقفها من إعادة هيكلة الدين أو سداد الدين أو تعليقه، كلّه مرتبط بشكل وثيق بالموقف الغربي وخصوصاً الأميركي.

مفاوضات الحكومة مع المؤسسات المالية ستكون شاقة ما لم تكن هناك تغطية دولية لقراراتها

من هنا، فإن قرارات ​الدولة​ معيارها ليس ان تكون صح أم خطأ، بل معيارها في مدى تغطية هذه القرارات دولياً، فإذا كانت مغطاة دولياً تستطيع الحكومة ان تقوم بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والمؤسسات الشبيهة له بهدف يؤدي إلى خروج جزئي من الأزمة.

اما في حال لم تكن مغطاة فإنها ستكون محادثات شاقة ويستبعد ان تتجاوب معها المؤسسات المالية.

حتى الآن، فإنه لم يصدر أي تعليق دولي على قرار الحكومة تعليق سداد استحقاق اليوروبوند الا موقف يتيم اطلقه ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش والذي كان ملتبساً في بعض مفرداته، وهذا الموقف بالطبع لا يمثل دولا بل يمثل ​الأمم المتحدة​ التي يبقي قرارها في الإطار المعنوي لا المالي.

والسؤال الذي يطرح نفسه بمعزل عن التعاطي الدولي مع القرار الحكومي المالي، هل سينفذ هذا القرار على حساب ​الشعب اللبناني​ الذي حتماً لا يتحمل مسؤولية ​الفساد​ والهدر، أم على حساب الطبقة السياسية التي تتحمل تبعات كل ما يجري؟ الواضح اليوم في موازاة الصراع الموجود بين ​السلطة​ السياسية وشرائح من الشعب اللبناني، يوجد أيضاً صراع بين الطبقة السياسية والحزبية والاقتصادية حول تقاذف المسؤوليات، فالطبقة السياسية ترمي المسؤولية في ملعب ​مصرف لبنان​ والمصارف، و​البنك المركزي​ والمصارف ترمي المسؤولية على الطبقة السياسية، وهذا الأمر يزيد الوضع اللبناني تأزماً، ويجعل عمر الأزمة طويلا ومزعجا.

وفي ظل هذا الوضع المأزوم برز أمس كلام لرئيسي ​الجمهورية​ والحكومة في جلسة مجلس الوزراء من الممكن ان يفتح ثغرة واسعة في جدار الأزمة المالية في حال أخذ طريقه إلى التنفيذ سريعاً، وهو ما يتعلق بدعوة ​الرئيس عون​ إلى لزوم تزامن خطوات الحكومة في المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوندز لجهة وضع خطط لإعادة هيكلة الديون والمصارف والإصلاح المالي والإداري إضافة إلى خطة اجتماعية - اقتصادية، إلى جانب وعد الرئيس دياب بمجموعة إجراءات لكسر الحلقة المفرغة المتأتية عن النقص في العملة وتداعياتها، لافتاً إلى رزمة من الإجراءات ستقدم خلال أسابيع من شأنها ان تؤثر على حياة المواطنين.

هذان الموقفان للرئيسين عون ودياب يعتبران إشارة واضحة من لبنان تجاه المجتمع الدولي الذي يرصد بشكل كبير ما يُمكن ان يقوم به لبنان من خطوات إصلاحية تؤمن له التغطية الدولية على ما اقدم عليه لجهة تعليق سداد الدين إلى جانب طمأنة ​الدول المانحة​ التي كانت وعدت بتقديم يد العون للبنان للخروج من مأزقه المالي.