لم يكن ​لبنان​ يترقب ان تحلّ به أزمة صحية، تكاد تتحول تدريجياً إلى كارثة. رغم أن كلّ دول العالم تبقى دوماً متأهبة لإستيعاب ومواجهة أيّ أزمة تفرض تداعياتها على المجتمع. الغريب أن لبنان إعتاد على الفوضوية والتصرف وفق ردّات فعل عشوائية غير مدروسة، لم يشكّل خلية إدارة أزمات دائمة. تعود القصة الى خلافات بين مشروعين رسميين قدمهما نائبان، ثم جرى القفز فوق أهمية تأليف الخلية لصالح هيئات وإدارات للمتابعة، لا ترتقي جميعها علمياً إلى حجم وتداعيات أي أزمة.

لا يمكن الآن أن نقلّل من إرادة وأدوار رئيس الحكومة ​حسان دياب​، ووزير الصحة ​حمد حسن​، وبعض المدراء والمعنيين. لكن عملهم يحصل بشجاعة، من دون الإستناد إلى علم أو فن إدارة الأزمات.

يتصرف اعضاء هيئة المتابعة للأزمة الحالية بمسؤولية وطنية، لكن لم يلحظها الرأي العام، مما يسمح لمؤسسات اعلامية وإعلاميين ومواطنين أن يتقدموا للمزايدة على الحكومة في عز الأزمة. يسمع اللبنانيون كلام رئيس حكومتهم، وأحاديث وزير الصحة في إطلالاتهم الموفّقة، وبيانات ​وزارة الإعلام​ التقليدية الصامتة، لكن حجم القلق وضعف الإمكانات وعادة اللبنانيين بالمزايدات وإدعاء المعرفة بخبايا كل شيء، سمح بالإنتقادات. علماً أن المسؤولية الوطنية تقتضي إرجاء الخلافات والتباينات ورص الصفوف خلف السلطات الرسمية، حتى لو كانت الحكومة عاجزة عن مواجهة أصعب أزمة صحية، لم يسبق لها مثيل منذ ما قبل الإستقلال.

آن اوان تعيين ناطق أو متحدث رسمي بإسم خلية إدارة الأزمة لإطلاع الراي العام يومياً، على كل مستجدات المواكبة والمعالجة والتصدي، وإبراز سبل النجاح او الإخفاق. لا يجب الإستهتار أو ترك الساحة الإعلامية فارغة لمؤسسات أو إعلاميين يجدون فراغاً واضحاً. لا تتحمل المسؤولية وحدها وزيرة الإعلام منال عبدالصمد التي تقوم بكل طاقاتها لمواكبة الأزمة بما توفر لديها من معطيات وقدرات. لكن علم الأزمات يفترض ان يكون هناك ناطق إعلامي متخصص بمخاطبة الرأي العام، لأن الحكومة مجتمعة فشلت حتى الساعة أن تقنع الرأي العام بكل خطواتها المالية والاقتصادية او الصحية، رغم أن الفشل يعوض عنه رئيس الحكومة الذي أظهر للبنانيين أنه رئيس صلب وصاحب إرادة وعزم لحكومة عاجزة لا حول لها ولا قوة، لا ماليا ولا سياسيا دوليا.

أمّا والحال كذلك في عز أزمة لا مصير محدد لها، بعجز عواصم العالم عن مواجهتها، فلننظر إلى تجارب تلك العواصم: ​الصين​ فرضت حجز الناس في منازلهم لحمايتهم من تمدد ​كورونا​، ​إيطاليا​ تأخرت بالمضي على خط الصين، فيما ​إيران​ و​كوريا الجنوبية​ توجها نحو مواكبة الفايروس بمحاولات لإنتاج أدوية علمية لإفشال سطوته على جسم الإنسان. بينما باقي الدول ومنها ​الولايات المتحدة الأميركية​، لا تزيد إجراءاتها في المطارات والمعابر عما يفعله لبنان. الفارق أن الدلع اللبناني يواكب الهلع الحاصل حالياً: إنتقادات على التواصل الاجتماعي مع إجتياح للمحلات ومخازن الأغذية، كما فعل مواطنون في دول غربية، علما ان عادات تلك الدول تقوم على أساس تأمين الغذاء اليومي، بينما المونة اللبنانية تكفي حاجات المنزل لشهور نسبياً.

لا يجوز لوم المواطنين على هلعهم، وهم يتابعون مجريات إنتشار الفايروس عالمياً، وإتساع مساحات الإصابات لبنانياً. لكن اللوم يقع على من يفرض الهلع في الداخل. كان يقتضي المضي فقط في حملات توجيهية للحد من إنتشار الفايروس ومنع العدوى وإبراز المخاطر، خصوصا أنّ اللبنانيين اقدموا من تلقاء أنفسهم على الإلتزام في منازلهم، كما اظهرت وقائع الساعات الماضية.

بعد خلاص لبنان والعالم تأتي حينها محاسبة المقصّرين، وتعيين خلايا إدارة أزمات دائمة، خصوصا ان لبنان سقط سابقا في امتحانات الأزمات ولم يتعلم. فهل تعلمه التجربة القاسية الآن؟.