على الرغم من أن المواقف التي يطلقها رئيس الحكومة ​حسان دياب​، منذ نيلها الثقة، تمثل شبه إدانة لمختلف القوى السياسية التي كانت شريكة في الحكم في الفترة التي تلت ​إتفاق الطائف​، لا سيما تلك التي كانت مسؤولة عن السياسات المالية والإقتصادية، إلا أن تيار "المستقبل" يبدو الأكثر توجساً من إحتمال نجاحها، الأمر الذي يدفعه إلى الخروج من موقع المهادنة الموقتة إلى الهجوم المباشر يوماً بعد آخر.

كان من الواضح، بعد خروج رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ من ​السراي الحكومي​، سعي تيار "المستقبل" إلى حصر المواجهة السياسية برئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ و"​التيار الوطني الحر​"، بالتزامن مع السعي إلى إعادة ترتيب علاقاته مع أبرز حلفائه المحليين، "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، وإلى المهادنة مع كل من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، الأمر الّذي يفسر عدم تعمّد الحريري مهاجمة الحكومة الجديدة في خطابه في ذكرى إغتيال والده رئيس الحكومة السابق ​رفيق الحريري​ في الرابع عشر من شباط.

في الأيّام التي تلت ذلك الخطاب، كان التيار يراقب المسار الذي تسلكه حكومة دياب، وفق قناعة بأنها لن تنجح في معالجة الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد آخر، الأمر الذي سيقود القوى السّياسية للعودة من جديد إلى الحريري، الذي كان قد رفع شعار: "سيعرفوا قيمتي لاحقاً"، إلا أن المفاجأة كانت، بحسب ما ترى أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، هو إنتقال رئيس الحكومة إلى مرحلة الهجوم، رغم تعمده التقليل من ظهوره الإعلامي، عبر التصويب على النهجين المالي والإقتصادي السابقين، ما يقود حتماً، بشكل أو بآخر، إلى الحريريّة السياسية التي يعتبر "المستقبل" التهجّم عليها خطاً أحمرَ.

إنطلاقاً من ذلك، كان من الضروري، من وجهة نظر الأوساط نفسها، أن يذهب التيار إلى تركيز هجومه على دياب وحكومته مهما كانت الأسباب، على عكس ما هو عليه موقف القوى الأخرى التي تشاركه في الموقع المعارض، خصوصاً "الحزب التقدّمي الإشتراكي" و"​حزب القوات اللبنانية​"، نظراً إلى أنه المتضرر الأوّل من نجاحها في معالجة أو الحدّ من تداعيات الأزمتين المالية والإقتصادية، بسبب حساسية موقع رئاسة الحكومة بالنسبة إلى "المستقبل"، وإمكانيّة تقديم شاغله الحالي نموذجاً مختلفاً عن المعروف منذ ولادة إتفاق الطائف، حيث أنّ المقارنة بين دياب وأيّ شخصيّة أخرى ستذهب دائماً إلى الحريري دون أيّ شخصيّة أخرى.

بالنسبة إلى هذه الأوساط، هذا أكبر ما يشغل بال "المستقبل" في المرحلة الراهنة، خصوصاً أنه يواجه أكثر من أزمة في الوقت نفسه، سواء بالنسبة إلى المنافسة داخل البيت العائلي الواحد بشكل خاص، مع بروز دور ​بهاء الحريري​، أو بالنسبة إلى الغموض الذي يشهده الشارع السنّي بشكل عام، وبالتالي الحريري لم يعد اللاعب الوحيد في المكانين، رغم أنّه لا يزال المتقدّم في الترتيب على سواه، وتضيف: "نجاح دياب سيفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة لم تكن متوقّعة من أكثر المتحمسين له في قوى الأكثريّة النّيابية".

في هذا الإطار، تشير الأوساط السّياسية المتابعة إلى أنّ دياب خالف التوقعات، فهو يسعى إلى أن يكون رئيس حكومة البدء في المعالجة لا حكومة الإنهيار، كما كان يتصور البعض، وبالتالي لن يكون معبراً لعودة أيّ شخصية أخرى إلى السراي الحكومي من الباب العريض، وهو يستند في هذا المجال إلى القدرات التي أظهرها في التعامل مع الظروف الضاغطة، والذهاب إلى الدفاع عن الخيارات التي يتبناها على هذا الصعيد، الأمر الذي كان قد بدأ بالظهور خلال مرحلة تأليف حكومته.

بالتزامن، ترى هذه الأوساط أن رئيس الحكومة يسعى للإستفادة من بعض الظروف المساعدة له، والتي ينظر لها البعض على أساس أنها من المعوقات، فهو بات يدرك أنّ الأوضاع الصعبة تدفع القوى السياسية إلى تقديم المزيد من التنازلات على مستوى الإصلاح المالي والإقتصادي و​مكافحة الفساد​، بينما هي في السابق كانت تتهرّب من ذلك، وتشدّد على أهميّة إنتظار الخطّة التي من المفترض أن تقدّمها الحكومة، ما بين شهري نيسان وأيّار، لمعرفة التطور المستجد على هذا المستوى.

في المحصّلة، يظهر رئيس الحكومة القدرة على تجاوز الصعوبات، رغم الظروف غير المساعدة له، لا سيّما مع إنتشار ​فيروس كورونا​ المستجدّ، الأمر الذي يضع تيار "المستقبل" أمام تحدٍّ جديد، سيكون له تداعيات كبيرة في حال نجاح دياب ولو بالحد الأدنى.