مع تواصل إرتفاع عدد المُصابين بوباء ​كورونا​ في ​لبنان​ والعالم(1)، بالتزامن مع تصاعد الوفيّات أيضًا- للأسف الشديد، الوقت ليس لتبادل اللوم والإتهامات على الإطلاق، بل لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وبأسرع وقت مُمكن! ولتحقيق هذا الهدف الذي يتقدّم على سواه، من الضروري الإقرار بالأخطاء القاتلة التي إرتكبناها جميعًا بمُواجهة كورونا، وهي مُوزّعة بين السُلطة الرسميّة واللبنانيّين أنفسهم، وذلك ليس من باب إلقاء المَلامة، بل لمُعالجة الثغرات المَوجودة، ولتجنّب إرتكاب المزيد من الأخطاء مُستقبلاً، خاصة وأنّ الوقت ينفذ بسرعة. فما هي ابرز هذه الأخطاء:

أوّلاً: على الرغم من أنّ الكثير من الإجراءات التي إتخذتها السُلطات الرسميّة في لبنان لمواجهة الوباء صحيحة، وهي مُعتمدة في الكثير من دول العالم حاليًا، إلا أنّ الأصحّ أنّ هذه الإجراءات أتت ولا تزال تأتي مُتاخّرة، وبعد فوات الأوان! وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ السُلطات الرسميّة والطبيّة في مُختلف البلدان، تُواجه خطر كورونا عبر ثلاثة مراحل، هي: الإحتواء، أي منع دُخول المُصابين إلى داخل الحُدود قدر المُستطاع، ثمّ في المرحلة الثانية، التأخير، أي إبطاء إنتشار الوباء ضُمن الدولة المعنيّة قدر المُستطاع، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة، المُواجهة، أي الشروع في مُواجهة تداعيات إنتشاره. ولأنّ لبنان تأخّر في إعتماد الإجراءات الدفاعيّة المُناسبة، إنتقل من مرحلة الإحتواء إلى مرحلة المُواجهة خلال فترة قياسيّة لم تتجاوز الأسبوعين(2)، وذلك بدلاً من أنّ تستمرّ مرحلة الإحتواء وحدها لأسابيع عدّة، ومرحلة التأخير لأسابيع أيضًا، على أمل التوصّل خلالهما إلى علاج عالمي، قبل إنطلاق المُواجهة.

ثانيًا: نعم، كان يجب وقف حركة الملاحة الجويّة من ​الصين​ وإليها مُنذ أشهر، وكان يجب وقفها من ​كوريا​ الجنوبيّة و​إيران​ منذ أسابيع طويلة. وكان يجب وقف الملاحة الجويّة من ​إيطاليا​ منذ أكثر من أسبوعين! والتذرّع بأنّه لا يُمكن حجز اللبنانيّين في الخارج مردود، لأنّ أحدًا لم يطلب ذلك، حيث أنّ قرار وقف الملاحة يجب أن يترافق مع تأمين عودة كل اللبنانيّين الراغبين بذلك، عبر إرسال طائرات إليهم بعد التنسيق مع سفارات لبنان في الدول المَوبوءة، لكن بشرط أن يتوجّهوا فور عودتهم إلى حجر صحّي إلزامي تحت مُراقبة رسميّة وطبيّة دقيقة، لا إلى منازلهم ومن ثمّ إلى حياتهم الطبيعيّة، وكأنّ شيئًا لم يكن!يُذكر أنّ تأخّر تصرّف السُلطات التنفيذيّة في لبنان، سمح بدُخول الوباء وبإنتشاره في الداخل، بحيث لم يعد مُمكنًا اليوم مُتابعة الحالات المُصابة بأيّ شكل من الأشكال، وهذا خطأ قاتل يُمكن قراءة تحذيرات منه من جانب مسؤولين وناشطين في دول أخرى تُعاني حاليًا من إنتشار خارج السيطرة للوباء، وبخاصة إيطاليا، نتيجة سوء تعامل السُلطة هناك مع أولى الحالات.

ثالثًا: ومن الأخطاء القاتلة التي إرتكبتها السُلطة في لبنان، التعامل بلا مُبالاة مع وافدين من دول لم تُعلن السُلطات فيها عن حالات كورونا أو إكتفت بالحديث عن إصابات مَحدودة لديها، علمًا أنّ لا مصداقيّة لهذه الدول، والوباء مُنتشر بين سُكّانها، وسيظهر حجم المأساة فيها بعد حين، في تكرار لما حصل في إيران مثلاً. وهذا الأمر إنسحب على جزء من المُستشفيات في لبنان، الأمر الذي تسبّب بحالات وفاة وبإصابات عدّة لم يسلم منها أفراد الطاقم الطبّي–كما حصل في مُستشفى المَعونات في جبيل وفي غيره أيضًا! وهنا، يجب التشديد على أنّ تعامل دول العالم مُتفاوت بشكل كبير مع وباء كورونا، حيث أنّ بعض الدول تُحصي المُصابين لديها بدقّة، وأخرى عاجزة عن ذلك أو تُخفي الأرقام الحقيقيّة لغاية في نفس يعقوب! كما أنّ تعامل دول العالم مُتفاوت على مُستوى إجراءات المُواجهة، حيث أنّ بعضهاأغلقت معابرها الحدودية كافة، وعزلت مُدنا ومقاطعات كاملة فيها، وألزمت سُكّانها بالحجر الإلزامي، بينما دولاً أخرى تعاملت مع الأزمة بإستخفاف، وهذه الأخيرة تدفع اليوم ثمنًا أكبر على مُستوى عدد الضحايا وحجم الإصابات. فالكثير من الدول المُتقدّمة إرتكبت أخطاء قاتلة في التعامل مع كورونا، ما يستوجب عدم التمثّل بها! والكثير من مسؤولي مُنظّمة الصحّة العالميّة بالتحديد، أظهروا ضياعًا وتناقضًا وعدم خبرة في التعامل مع هذا الوباء المُستجدّ على المُستوى العالمي، ولا يجب بالتالي الركون إلى نصائحهم والنوم على حرير، لأنّهم في النهاية أناس وموظّفون عاديّون ويرتكبون الأخطاء!.

... وأخطاء اللبنانيّين أيضًا

رابعًا: من بين الأخطاء القاتلة التي إرتكبها اللبنانيّون أنفسهم-بموازاة أخطاء السُلطة،الإستخفاف بخطر الوباء، ما أسفر عن التسبب بنقله وإنتشاره بسرعة! وفي هذا السياق، الكثير من العائدين من الخارج عُمومًا، ومن دول مَوبوءة بالتحديد، إكتفوا بكشف الحرارة الذي لا معنى له(3)، ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي، قبل أن تبدأ العوارض بالظُهور عليهم، بعد فوات الأوان، أيّ بعد نقل العدوى إلى العديد من أهاليهم وأصدقائهم والأشخاص الذين إحتكّوا بهم. أكثر من ذلك، إنّ مفهوم الحدّ من التجمّعات، لا يعني أنّ التجمّع في المدرسة ينقل العدوى، بينما التجمّع في المقهى أو على حلبة التزلّج مثلاً لا ينقلها،ولا يعني أنّ الإختلاط في المناسبات الإجتماعيّة خطير، بينما التزاحم كتفًا على كتف، داخل المتاجر الكبرى للتبضّع، آمن! وهذا الأمر يستوجب وقف كل أشكال الإختلاط، والبقاء في المنازل، لكنّ هذا الأمر لا يُمكن تطبيقه من دون قرار من جانب الدولة بإغلاق مُؤسّسات العمل كافّة، بالتزامن مع التأكيد أنّ ​الصيدليات​ ومتاجر التبضّع ستبقى مَفتوحة!.

خامسًا: أكثر من ذلك، الكثير من اللبنانيّين ما زالوا حتى تاريخه، يتعاملون مع عوارض كورونا، بإعتبارها نزلات برد عاديّة يجب مُداواتها بالمُضادات الحيوية بعد شرائها مُباشرة من الصيدليّات من دون أيّ كشف طبّي، بحجّة أنّ الأشخاص المُصابين بهذه العوارض لم يُسافروا من لبنان، أو لم يختلطوا كثيرًا! وهذا الجهل يستوجب تكثيف حملات التوعية والتوجيه، لأنّ الفيروس يُمكن أن يكون موجودا في منزل كلّ شخص منّا، على العملة الورقيّة داخل جيوبنا، وعلى كيس ربطة الخُبز على طاولة طعامنا، وكذلك على يد جارنا أو صديقنا المُقرّب في غرفة جلوسنا!.

في الختام، إنّ لبنان بمثابة قرية صغيرة مُقارنة بحجم الكثير من دول العالم التي تعمل على مُواجهة كورونا حاليًا، والتي لديها حركة طائرات وسفن وقطارات وسيارات ضخمة ويوميّة. وبالتالي، إنّ إغلاق معبر لبنان الجويّ الوحيد، ومعابره البريّة المَحدودة، لمدّة أسبوعين أو ثلاثة، وحصر التواصل الخارجي بإستيراد ​الأدوية​ والأغذية والبضائع الضروريّة، كان ليُجنّبنا الكثير. وحتى اليوم، ما زال من المُمكن إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في حال إعتماد هذا الإجراء القاسي، قبل أن يُصبح عدد المُصابين كبيرًا، لدرجة ستعجز معها السُلطات الرسميّة والطبيّة من مُواجهته، ومن تأمين العلاج والعزل لكل المُصابين! وعلى خطّ مُواز، على اللبنانيّين مُلازمة منازلهم جديًا، وإعتماد إجراءات حماية قُصوى غير إستنسابية ولا إستعراضيّة، بناء على معلومات موثوقة يُمكن تحصيلها من مواقع الإنترنت المُتخصّصة، والأهم أنّ على اللبنانيّين التذكّر أنّ وباء كورونا يُمكن أن يطال مُطلق أي شخص منهم، بغضّ النظر عن مدى إهتمامهبنظافته الشخصيّة، وعن مدى حرصه على عدم التواصل كثيرًا بالآخرين!.

(1) بلغ الرقم عالميًا أكثر من 131 ألف مُصاب، توفّي منهم نحو 5 آلاف مريض حتى تاريخه، وشُفي منهم نحو 70 ألف شخص، بينما لا يزال نحو 56 ألف مُصاب يُكافحون الوباء.

(2) تمّ تسجيل أوّل حالة كورونا رسميًا في 20 شباط الماضي، وإنتشر الوباء ضُمن السُكان وبشكل واسع، بعد أقلّ من أسبوعين، حيث توفّي ثلاثة مرضى وأصيب 68 شخصًا حتى لحظة إعداد هذا المقال.

(3) طالما أنّ عوارض الوباء لا تظهر على الأشخاص المُصابين، سوى بعد فترة زمنيّة تتراوح بين أيّام قليلة وأسابيع عدّة في بعض الحالات، في وقت يكون فيه حامل الوباء مُعديًا.