على الرغم من الدعوات إلى التوقف عن هذه الظاهرة الخطيرة، لا تزال عملية "تسييس" ​الكورونا​ في ​لبنان​ مستمرة، الأمر الذي بات يستدعي الانتهباه له، نظراً إلى أن نتائجها قد تكون أكثر سوءاً من العدوى نفسها، حيث بات أي مواطن قادر، لا سيما عبر ​مواقع التواصل الإجتماعي​، على توجيه التعليمات والإنتقادات إلى المعنيين، حتى ولو لم يكن من أصحاب الإختصاص.

البعض لم يعد يتردد في توجيه الإتهام إلى هذا الفريق أو ذاك، أو إلى المحاور التي يختلف ​اللبنانيون​ في الإنتماء إليها، في حين أن سرعة إنتشار الفيروس أكبر من تلك الإتهامات، وبالتالي لم يعد من المستغرب تسجيل المزيد من الإصابات في أي لحظة، الأمر الذي يتطلب من الجميع الإلتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة فقط دون سواها.

في الوقت الراهن، قد يكون من حق مختلف القوى السياسية، خصوصاً تلك التي في الموقع المعارض، السعي إلى إستغلال أي هفوة تقوم بها ​الحكومة​، لكن على المستوى الصحي المطلوب السعي إلى سد الثغرات ورفع مستوى الإجراءات لا أكثر، لأن ​الأزمة​ أكبر من عملية تسجيل النقاط التي لن تقود إلى الحد من تداعياتها، بل على العكس من ذلك قد تؤدي إلى تفاقمها، بينما المطلوب حصرها إلى الحدود الدنيا.

في هذا الإطار، يبدو أن بعض القوى السياسية تسعى إلى إعادة تعويم نفسها إنطلاقاً من هذه الأزمة، إنطلاقاً من مبدأ "الحاجة"، الذي كان يجبر المواطنين على اللجوء إليها، بشكل دائم، كمعبر نحو ​الدولة​ التي تسيطر عليها هي نفسها، وهو ما كان يُترجم على مختلف المستويات: الصحية والتربوية والتوظيفية، نظراً إلى أن التركيبة القائمة، منذ ولادة دولة لبنان، كانت تنظر إلى الشخص بصفته فرداَ ضمن جماعة لا مواطناً ضمن دولة، وبالتالي لا حقوق له خارج إطار الجماعة التي ينتمي لها.

وهنا، يبرز سعيها إلى الدخول على خط الإجراءات العملية، حتى ولو لم يكن لديها الحد الأدنى من الخبرة على هذا الصعيد، من خلال تقديم نفسها على أساس أنها الساعي إلى تأمين أفضل سبل ​الوقاية​ والمكافحة، وبعض المناطق، التي يتواجد فيها أكثر من فريق سياسي، تشهد منافسة محتدمة على هذا الصعيد لا سيما إذا ما كان الفريقين من اللون الطائفي نفسه، حيث لا يلبث هذا التيار أو الحزب أن يعلن عن إجراءات ينوي القيام بها، حتى يدخل منافسه أو منافسيه على الخط، متجاهلين وجود سلطات رسمية من المفترض أن تتولى هي القيام بهذه الإجراءات، في حين أن دورها يجب أن ينحصر بحملات التوعية، باستثناء تلك التي لديها في الأصل خدمات صحية منذ سنوات طويلة.

هذا الواقع، أدى في بعض المناطق إلى ​حالات​ هلع غير مبررة، نظراً إلى أن تلك الجهات عمدت إلى الإعتماد على بعض الشائعات من أجل دعوة المواطنين إلى عدم الخروج من منازلهم بسبب تسجيل إصابات في محيطهم، متحدثة عن أن المصدر هو مؤسسات تجارية تضررت كثيراً جراء ذلك، رغم مسارعتها إلى نفي الأنباء التي تناولتها، وبالتالي أدت إلى وقوع ضرر بسبب دخولها على خط إجراءات لا علاقة لها بها، في سياق السعي إلى الظهور لا أكثر.

في المرحلة الراهنة، لن يعمد الكثير من المواطنين إلى السؤال عن الجهة التي تتولى القيام بالحد الأدنى من إجراءات الوقاية أو الحماية، بسبب خطر الفيروس الذي يهدد الجميع دون إستثناء، لكن المفارقة التي ينبغي التوقف عندها، لا سيما بالنسبة إلى القرى والبلدات التي تقع خارج نطاق العاصمة أو المدن الكبرى، تكمن بأن تلك القوى السياسية تلجأ عملياً إلى الإمكانات المتواضعة التي لدى ​البلديات​، لكن لا تقوم بتلك الإجراءات إنطلاقاً من العنوان البلدي بل من العنوان الحزبي الضيق، لتعود لاحقاً إلى القول: "نحن من وقف إلى جانبكم خلال المرحلة الأصعب".

في المحصلة، من المفيد أن تدخل القوى والتيارات السياسية على خط الإجراءات الوقائية في مواجهة هذه الأزمة، لكن على بعضها أن يكتفي بالدور الذي يحول دون دخولها في ميادين ليست من إختصاصها، والتركيز على حملات التوعية التي تنطلق من الإرشادات المقدمة من الجهات الرسمية فقط دون سواها.