في الوقت الذي تتسارع فيه التطوّرات الدراماتيكيّة بشأن ​فيروس كورونا​، إن في ​لبنان​ أو في العالم أجمع، وعلى الرغم من أن لا شيء يعلو أو يتقدّم على صحّتنا وصحّة الناس أجمعين، يتمّ العمل خلف الكواليس على مشروع قانون سيُحدّد أسس تعامل ​المصارف​ اللبنانيّة مع أموال المُودعين، والأهمّ أنّه سيُوحّدها. وهذا القانون يُواصل عُبور مساره القانوني الطبيعي، ويُنتظر أن تناقشه الحُكومة وتُقرّه، على أن تحيله بعد ذلك إلى ​المجلس النيابي​ ليُقرّه بدوره، وذلك ما إن تسمح الظُروف، وتحديدًا فور مُرور عاصفة وباء كورونا على خير. فماذا عن مصير أموالنا في المَصارف بحسب بُنود مشروع القانون المَذكور، وما هي الإرتدادات؟.

أوّلاً: سيتمّ مَنح ​مصرف لبنان​ صلاحيّة إصدار قرارات وتعاميم إستثنائيّة بشكل مُوقّت ولفترة زمنيّة مُحدّدة، بهدف تشريع التدابير المُتخذة حاليًا من جانب المصارف، وتلك التي سيتمّ إتخاذها مُستقبلاً، وتوحيدها.

ثانيًا: الأموال "الجديدة" التي تلقتها المصارف العاملة في لبنان بعد 17 تشرين الأوّل الماضي، وتلك التي ستُحوّل من الخارج إلى لبنان مُستقبلاً، أو التي ستُوضع نقدًا في حسابات جديدة مُوازية لتلك المَفتوحة أصلاً، ستكون خالية من أيّ ضوابط، أي أنّ العملاء أحرار بالتصرّف بها كما يرغبون، عبر سحب وتحويل ما يريدونه من أموال منها، داخل لبنان وخارجه.

ثالثًا: بالنسبة إلى العمليّات الماليّة داخل لبنان، عبر التحاويل والشيكات والبطاقات، فهي لن تخضع لأي ضوابط أيضًا. أمّا التحويلات الماليّة إلى الخارج من حسابات مَوجودة ولم تتمّ تغذيتها بأموال جديدة، فستكون مُتاحة أمام العُملاء لتلبية حاجات مُحدّدة لهم ولأفراد عائلاتهم، مثل دفع الأقساط التعليميّة والطبابة والمَعيشة، وذلك وفق سُقوف مُحدّدة(1)، على أن يتمّ تقديم المُستندات المَطلوبة لكل حالة، وعلى ألا يكون للمُودع-طالب التحويل، حسابًا مصرفيًا خارج لبنان، وعلى أن يكون قد سبق له أنّ حوّل مبالغ مُماثلة من لبنان، مع إستثناء الحالات الصحيّة الطارئة من هذه الشروط. كما سيتمّ تنظيم التحويلات الخارجيّة لأغراض مهنيّة وإقتصاديّة وتجاريّة وصناعيّة، إلخ. وفق ضوابط مُحدّدة(2)، لكن بشكل يُحفّز الحركة الإقتصاديّة الداخليّة.

رابعًا: في ما خصّ سُحوبات العُملاء ب​الليرة اللبنانية​، فهي لن تخضع لأي سقف، إلا في حال تجاوز المبلغ المَطلوب 25 مليون ليرة لبنانية، عندها على العميل إبلاغ المصرف بنيّته سحب المبلغ الكبير، قبل 48 ساعة. وسيكون من حق العُملاء سحب كامل رواتبهم وأجورهم ومعاشاتهم التقاعديّة الشهريّة، بشكل كامل وفوري عند الطلب.

خامسًا: بالنسبة إلى السُحوبات بالعملات الأجنبيّة، من دولار وغيرها، فهي–ونظرًا للظُروف الإستثنائيّة القائمة، ستبقى خاضعة لسُقوف تُحدّد عبر تعاميم دَوريّة تصدر عن المصرف المركزي، بالتنسيق مع جمعيّة المصارف ومُختلف المصارف، حيث لن يكون مُتاحًا تخطّي هذه السُقوف على أيّ عميل.

سادسًا: في ما خصّ البطاقات المصرفيّة، بالليرة أو ب​الدولار​، فهي ستخضع لسُقوف تبعًا لتعاميم دوريّة تصدر عن مصرف لبنان، وتبعًا لإعتبارات مرتبطة بنوع كل بطاقة إئتمان. وتجاوز هذه السُقوف في الخارج يستوجب أن يضع العميل "أموالاً جديدة" في حسابه فيها بشكل مُسبق.

سابعًا: بالنسبة إلى الشيكات، أولا إذا كانت بالليرة اللبنانيّة، يمكن سحبها نقدًا وفقًا لسُقوف يُحدّدها مصرف لبنان بموجب تعاميم دوريّة، وإذا كانت بالدولار، لا يُمكن سحبها نقدًا بل يجب إيداعها في الحساب، لتخضع الأموال المُودعة عندها لشروط السحب الخاصة بالعملات الأجنبيّة.

ومن الضروري الإشارة إلى أنّه في حال إقرار مشروع القانون المَذكور المُقترح، من قبل السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، يُصبح نافذًا فور نشره في الجريدة الرسميّة، وستكون مُدّة نفاذه ثلاث سنوات من تاريخ النشر، ما لم تُقرّر السُلطات المَعنيّة تقصير هذه المُدّة لاحقًا. وينصّ القانون أيضًا على عُقوبات تطال المصارف، في حال عدم تنفيذ البُنود الواردة فيه.

وعمليًا، يُمكن القول إنّه عند تطبيق هذا القانون رسميًا، ستأخذ الإجراءات التي تتبعها المَصارف منذ 17 تشرين الأوّل طابعًا قانونيًا، حيث لن يكون من المُمكن بعد إقرار هذا القانون، الحديث عن قرارات تعسّفية، ولا رفع دعاوى قضائيّة ضُدّ إدارات المصارف. وعمليًا أيضًا، سيستمرّ تطبيق بُنود القانون المَذكور لمدّة ثلاث سنوات(3)، ما يعني أنّ الإجراءات الحالية ستتواصل، مع البدء بتطبيق التعديلات المُقترحة. وطبعًا، التصرّف بالأموال بالعملة الوطنيّة سيكون أكثر راحة للعُملاء، وتغطية التحويلات الخارجيّة سيكون مُنظّمًا أكثر. لكنّ المُشكلة في الحسابات بالعملات الأجنبيّة، حيث أنّ إستمرار إخضاع هذه الودائع التي تُشكّل 70 % من إجمالي الودائع المَصرفيّة، لسقوف مَحدودة، يعني عمليًا تطبيق ما يُعرف بالـ"كابيتال كونترول"، بشكل شرعي ولمدّة ثلاث سنوات! ولن يكون بالتالي من المُمكن سحب الأموال بالعملات الصعبة نقدًا، مع إمكان التصرّف بها لتمويل عمليّات شراء داخل لبنان فقط، عبر تحويلات ماليّة وشيكات مصرفيّة. والحديث عن حريّة تصرّف تامة في ما خصّ الأموال "الجديدة" بالعملات الأجنبيّة، لا تعني سوى العمُلاء القادرين على كسب هذه الأموال من مصادر خارجيّة، والراغبين أصلاً بوضعها في المصارف.

في الختام، يُمكن القول إنّ اللبنانيّن مَشغولون حاليًا–كما غيرهم من شُعوب العالم، بالحفاظ على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، من وباء كورونا، لكن ما إن تنجلي هذه الغيمة السوداء، سيعود اللبنانيّون إلى هُمومهم المَعيشيّة والحياتيّة التي يبدو أنّها ستطول، ومعها شحّ الدولار في المَصَارف...

(1) حتى 30 ألف دولار للتعليم، وحتى 20 ألف دولار للإستشفاء، وحتى 15 ألف دولار للمَصَاريف المَعيشيّة، وعلى ألاّ يتعدّى سقف أيّ تحويلات ما قيمته 50 ألف دولار سنويًا.

(2) على كل مصرف أن يُخصّص نسبة لا تقلّ عن 0.5 % من مجموع ودائعه الإجماليّة، لتمويل إستيراد المواد الأوّلية الأساسيّة من الخارج.

(3) ما لم يصدر وفق القنوات الرسميّة، قرار بتعليقه، أو ربما بتمديد العمل به!