في ظل الإنتشار السريع ل​فيروس كورونا​، على المستويين المحلي والدولي، لم يكن أمام ​الحكومة اللبنانية​ إلا الذهاب نحو خيار إعلان التعبئة العامة، التي تنص عليها المادة الثانية من قانون الدفاع المدني، بعد أن رفعها ​المجلس الأعلى للدفاع​ إلى ​مجلس الوزراء​، وهو الإجراء الذي ذهبت إليه الكثير من الدول، ومن المتوقع أن تذهب إليه عدّة دول أخرى في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة.

هذا الواقع المستجد، سيفرض على اللبنانيين المزيد من الإجراءات الهادفة إلى حمايتهم أولاً، والتي أعلن عنها رئيس الحكومة ​حسان دياب​، إلا أن كل ذلك لن يكون له قيمة في حال لم يتجاوب اللبنانيون معها، نظراً إلى أن كل مواطن اليوم هو المسؤول الأول عن صحته وصحة عائلته ومحيطه ومجتمعه، وبالتالي على كل منا أن يبدأ من نفسه أولاً.

في كلمته التي توجها بها إلى اللبنانيين، في مستهل جلسة مجلس الوزراء، شدد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على خطورة التحدّي الذي تواجهه البلاد، مشيراً إلى أنها ساعة التضامن الوطني، الأمر الذي يفرض على الجميع التخلي عن الإعتبارات السياسية كافة، وبالتالي الوقت ليس لتسجيل النقاط وتبادل الاتهامات، كما أنه ليس الأوان للاستثمار السياسي.

في هذا الإطار، لا يجب تكرار مشاهد الإزدحام التي شهدتها بعض المناطق في الساعات الماضية، نظراً إلى أن ذلك سيكون سبباً لتسجيل المزيد من الإصابات ب​الكورونا​، في حين أن القدرات الطبية اللبنانية معروفة، وبالتالي من المفترض العمل على تفادي تسجيل أيّ إصابة جديدة، كمقدمة نحو إحتواء هذا الفيروس الخطير، ثم عودة الحياة إلى طبيعتها.

بالإضافة إلى ذلك، على كل مواطن التعاون مع مختلف السلطات المكلفة بتنفيذ الإجراءات التي قررها مجلس الوزراء، لأنها تدرك جيداً ما هو مقبول وما هو مرفوض، كما أنه لا يجوز المكابرة امام الخطر الذي تواجهه البلاد، وبالتالي ليس كل شخص منا طبيباً أو خبيراً بالأمراض الجرثومية ليقرر من تلقاء نفسه ما يمكن القيام به.

بالتزامن، على كل القوى السياسية، سواء كانت في المعارضة أو الموالاة، العمل على دعم هذه الإجراءات، لأن الأزمة وطنية وتتطلب تعاونا من الجميع دون إستثناء، بعيداً عن السجالات التقليدية التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية، على أن يترك موضوع المحاسبة إلى المرحلة اللاحقة، أي الإنتهاء من الأزمة، لكن هذا لا يلغي أن أي ملاحظة هادفة إلى التحسين وزيادة الفعالية والحماية ضرورية.

وفي هذا الإطار، قد يكون من المفيد توجيه الأنصار والمؤيدين نحو التطوع إلى مساعدات السلطات المعنية، لا سيما في القرى والبلدات حيث قدرات السلطات المحلية محدودة، كي لا يقوم كل حزب أو تيار بجهود مبعثرة في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى أيّ جهد منظم، نظراً إلى أنّ أيّ نشاط في هذا المجال لا يجب أن يكون الهدف منه الظهور أو الإستثمار السياسي، على قاعدة الربح والخسارة.

وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي يشعر بها كل مواطن في هذه المرحلة، من الضروري الإلتفات إلى الآخرين، نظراً إلى أن الكثير من اللبنانيين يعتاشون على ما يجنوه من عملهم بشكل يومي، وبالتالي حالة الإقفال التي ستشهدها البلاد ستكون قاسية جداً عليهم، ما يستوجب تقديم أي مساعدة لهم على هذا الصعيد، ليحول دون تفاقم التداعيات السلبيّة ويساعد على تجاوز الأزمة بأقلّ قدر ممكن من الخسائر.

في المحصّلة، خطر فيروس كورونا كبير جداً على الأفراد والمجتمع، لكن أمام اللبنانيين اليوم فرصة ذهبيّة لتجسيد وحدتهم بعيداً عن الإنقسامات التي عرفتها البلاد من القدم، وربما فتح الباب أمام مرحلة جديدة يمكن البناء عليها بعد الإنتهاء من هذه الأزمة.