في 3 أيار في العام الماضي ضجّ الإعلام بخبر توقيف أحد أشهر "سماسرة" ​القضاء​ في ​لبنان​، في عملية أمنية قام بها أحد الاجهزة في منطقة الذوق، بعد أن عاد من السفر الى بلده، رغم حديث البعض عن أن خروجه من لبنان كان بمثابة الهروب. إنه سالم عكّاري، الذي ادّعي عليه بجرائم كثيرة، كالتزوير، والاحتيال، وتبييض الأموال، وصرف النفوذ، ورشوة القضاء.

واعتبرتها وسائل إعلامية معروفة قضيتها الخاصة بها، فتابعت التحقيقات، ونشرت المحاضر، وحاكمت الرجل قبل صدور الإدانة. اليوم أصبح عكّاري خارج ​السجن​، فقد خرج في 27 تشرين الثاني الماضي، وتبيّنت براءته في أكثر من دعوى من الدعاوى التي رُفعت بوجهه، مع استمرار أخرى بانتظار الأحكام، ولكن هذا الأمر لم يتحدث عنه الإعلام، لأسباب مجهولة.

مع مرور الأيام الأولى لتوقيفه، انهالت الادعاءات على عكاري، فلم تتوقف المسألة عند قضية السمسرات مع ​القضاة​، بل بات محاطا بكمّ من الاتهامات والادّعاءات، جعلته يظهر وكأنه الرجل الأكثر إجراما في لبنان، ولكن ماذا عن نتائج الإدّعاءات؟.

البداية من قضية تصنيع وتزوير لوحات سيارات غير قانونية ولا قيود لها في ​مصلحة تسجيل السيارات​، حيث وجدت قوّة أمنية خلال مداهمتها مكتب العكاري في جلّ الديب، 6 نمر سيارات من دون قيود، فتم التحقيق في هذه المسألة من قبل قاضي التحقيق في ​جبل لبنان​ رانيا يحفوف، وخلال التحقيقات أعلن عكّاري بحسب ما علمت "​النشرة​" أنه لا يستعمل هذه الأرقام، وأنه كان يعمل في تجارة السيارات، وقد اشترى مؤخرا عدّة سيارات وبالإمكان أن تكون تلك اللوحات موضوعة بتاريخ سابق على واحدة منها.

عند العودة الى هوية أصحاب اللوحات تبين بحسب التحقيقات أن أحدها تعود لقاض، ولكنها لم تعد سارية بعد توقيف السيارة التي كانت عليها بتاريخ 2007، وتبيّن أيضا أن أحد موظفين عكّاري قد اجرى معاملة أنقاض للقاضي صاحب الرقم، فيكون وجود الرقم في مكتبه مبرّرا، ولم يثبت أن هذا الرقم قد استعمل على إحدى السيارات العائدة للمتهم. اما بالنسبة للنمر المتبقية فقد تبين أيضا بالتحقيقات أنها غير مزوّرة، وأنها كانت تعود لأشخاص حقيقيين، ولم تُستعمل على سيارات أخرى غير تلك التي تتبع لها، كما لم يثبت أن المدّعى عليه قام بتصنيع لوحات، أو أن اللوحات تحمل أرقاما غير صحيحة، او مزوّرة من جهة اخرى، لذلك فقد تقرر بختام التحقيق، بتاريخ 8 تموز 2019، منع المحاكمة عن المدعى عليه سالم العكاري، بالجرم المُسند إليه والمنصوص عليه في المادة 154، وإطلاق سراحه فورا ما لم يكن موقوفا بداع آخر.

هذه قضية من القضايا، ولكنها ليست الوحيدة التي أُعلنت فيها براءة عكاري، فبالنسبة الى تبييض الأموال، فقد مثل المتّهم امام قاضي التحقيق في جبل لبنان رانيا يحفوف، وبعد أن أرسلت المحكمة طلب التحقيق الى هيئة التحقيق الخاصة في ​مصرف لبنان​، للاستعلام وتحليل الحسابات الخاصة بالمدّعى عليه لدى البنوك وللتحقق من وجود أي عمليات مشبوهة حول جرم تبييض الأموال، اجابت الهيئة في ​تقرير​ها، وبعد أن قررت رفع ​السرية المصرفية​ عن حسابات المدّعى عليه، أن نتائج أعمال المراقبة والتدقيق في الحسابات في ​المصارف​ خلال السنوات 2016 لغاية 2019، تُظهر حجما هامّا من العمليات النقدية سحبا وإيداعا، وحركة مماثلة من الشيكات المسحوبة والمودعة والتي لم تتمكّن بعض المصارف من تحديد طبيعة العلاقة بين أطرافها، الا أن هذا الامر يأتي منسجما مع كمية الشيكات التي جرى ضبطها في مكاتب المدّعى عليه ومنزله خلال تفتيشهما، واعترافه الصريح أنه يتعاطى أعمال التسليف الحرة، ويمنح قروضا لتجّار (متعثّرين) لقاء فوائد عالية.

ويُستكمل جواب المحكمة، أنه لم يرد في التقرير أي إشارة على ارتكاب المدّعى عليه جرم تبييض الاموال، كما لم يتبين ان هيئة التحقيق الخاصة قد اتخذت أي قرار بشأن الحسابات وفقا للصلاحيات الممنوحة لها حصرا، تقرّر منع المحاكمة عن المدّعى عليه بجرم تبييض الاموال.

إن هذا القرار لم يمنع القضاء من الاستئناف، مع العلم أن تهمة تبييض الأموال قد وُجّهت للمدعى عليه أكثر مرة، ولكن كل هذه التفاصيل وأخرى غيرها، عن اتهام الاحتيال، ورشوة القضاة، سيتم التطرق إليها في تقرير منفصل.