لم يكن ينقص الأوضاع ​الإقتصاد​ية الصعبة التي تشهدها البلاد إلا تفشي ​فيروس كورونا​ في ​لبنان​، الأمر الذي حتم على ​مجلس الوزراء​ إعلان حالة التعبئة العامة، التي فرضت الإغلاق التام على المؤسسات العامة والخاصة، باستثناء تلك التي تعمل في القطاعين الصحي والغذائي بشكل أساسي.

في هذا الإطار، كان من الواضح أن الخيار هو بين ​الصحة​ والإقتصاد، ولم يكن من الممكن تجنب التداعيات الكارثية بأي شكل من الأشكال، التي من المرجح أن تطال القسم الأكبر من اللبنانيين، لا سيما ​المياومين​ الذين يعتمدون في معيشتهم على ما يجنوه من عملهم اليومي، الأمر الذي من المفترض أن تبحث الجهات المعنية بأسرع وقت عن كيفية تقديم المساعدة لهم.

في هذا السياق، يصف الخبير الإقتصادي ​وليد أبو سليمان​، في حديث لـ"النشرة"، الواقع الحالي بأنه كارثة تضاف إلى كارثة، لكنه يلفت إلى أن هذا الأمر ينطبق على جميع دول ​العالم​ التي تتكبّد خسائر طائلة في الوقت الراهن، ويشير إلى الإحتياطي الفيدرالي الأميركي الّذي خفض الفوائد إلى ما بين صفر و0.25%، للمرة الأولى من العام 2008، خوفاً من فقدان السيولة.

ويتوقع أبو سليمان أن يكون الشهر الجاري هو شهر الإفلاسات على مستوى العالم، لا بل من الممكن أن يؤدّي الوضع الراهن إلى تعثر عدد كبير من الدول، في حين أنه في لبنان الواقع المستجد زاد الطين بلة، نظراً إلى أن البلاد تشهد أزمة إقتصادية وماليّة كبيرة منذ ما قبل تفشّي الفيروس.

من جانبها، تشير الصحافية المتخصصة بالشأن الإقتصادي محاسن مرسل حلبي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الخسائر خلال مرحلة التعبئة العامة تقدر بنحو 600 إلى 700 مليون ​دولار​، نظراً إلى أنه في ظل حالة الإغلاق هناك قطاعات شهدت إنتعاشاً، منها قطاع صناعة المواد المعقّمة والمطهّرات وقطع تجارة التجزئة بالمواد الإستهلاكيّة، وبالتالي في حال وصل الإغلاق إلى ما يقارب الشهر فإن الخسائر تصل إلى مليار و400 مليون دولار، بينما يلفت أبو سليمان إلى أن حجم الإقتصاد الوطني يبلغ نحو 50 مليار دولار، وبالتالي حجم الخسائر من الممكن أن يصل إلى 2 مليار دولار أميركي، في حال امتدت حالة التعبئة العامة إلى نحو الشهر.

وفي حين يشدّد أبو سليمان على أن ​الحكومة​ لم تكن قادرة على القيام بأيّ إجراء آخر، وبالتالي أقصى ما يمكن أن يحصل هو أن تطلب من ​المصرف المركزي​ ضخ سيولة، كما حصل في العديد من بلدان العالم، ترى حلبي أن قرار إقفال المعابر عند تسجيل أول حالة إصابة كان من الممكن أن يجنّب البلاد الذهاب إلى التعبئة العامة، وبالتالي الإقفال الكارثي.

على صعيد متصل، تعرب حلبي عن مخاوفها من أن يكون للأوضاع الإقتصاية تداعيات على ​الأمن​ الإجتماعيّ، في حين طالب أبو سليمان الحكومة بالمبادرة إلى الإعلان عن إعفاءات من ​الضرائب​ لفترة معيّنة، ويلفت إلى أن ​البنك الدولي​ من المفترض أن يتدخّل في مسألة دعم الأسر الأكثر فقراً، لكنه يوضح أنه من المبكر الحديث عن هذا الأمر.

المتضررون الأساسيّون على مستوى اليد العاملة هم من المياوميين، أيّ كل شخص يعمل بشكل يومي، بحسب ما تؤكد حلبي، التي تلفت إلى أن البنك الدولي كان يتوقع أن تصنف، في شهر حزيران، ما بين 40 إلى 50% من العائلات اللبنانية فقيرة، وترى أن هذه النسبة سترتفع والموعد قد يقترب مع حالة الإقفال التي فرضها فيروس "كورونا"، الذي سرّع من وتيرة الأوضاع السلبية في البلاد.

في المحصلة، فاقم "كورونا" من الأوضاع الإقتصاديّة التي يشهدها لبنان، الأمر الذي قد يكون له تداعيات كارثيّة في المقبل من الأيام، ومن الطبيعي أن يؤثر على الخطة التي تعدّها الحكومة للخروج من الواقع الصعب الّذي تمر به البلاد.