التعامل مع وباء كورونا على الصعيد ال​لبنان​ي، لم يكن على نفس القدر من المسؤولية الوطنية والمجتمعية من قبل الجميع، أحزابا وقوى وشخصيات ووسائل اعلام ومواطنين.. فقد كانت هناك مفارقة صارخة على هذا الصعيد، صعيد مواجهة خطر انتشار فايروس يجتاح الجميع دون استثناء، موالين ومعارضين، اغنياء وفقراء، مسؤولين ومواطنين، مقيمين اجانب وعرب ولبنانيين.. لقد كان من المفترض أن تكون المواجهة لهذا النوع من الخطر الذي لا يميز بين الناس، مواجهة وطنية موحدة.. لكن للأسف الشديد، لم يكن الأمر كذلك.. لقد فوجئنا بوجود انقسام واختلاف كبير وخطير في مقاربة التعامل مع كورونا..

ففي مقابل تعامل قسم من اللبنانيين باستغلال سياسي رخيص لهذا الوباء، بعيد عن القيم والأخلاق الإنسانية، فيما سادت لدى قسم من المواطنين حالة من الاستلشاء والاستخفاف والجهل بالعلم..

كان هناك قسم اخر يتعامل بكل مسؤولية وطنية وجدية وعلم ووعي لخطورة ما يشكله هذا الفايروس على جميع اللبنانيين والمقيمين ويدعو الى التحلي بالمسؤولية الوطنية والتخلي عن تصفية الحسابات السياسية والتزام القيم والأخلاق واتباع العلم والتخلي عن العادات الاجتماعية التي تساعد على انتقال المرض وانتشار خطره..

اولا، على مستوى الاستغلال السياسي والجهل بالعلم كان هناك اربعة محطات فاقعة لا يقبلها اي انسان عاقل على سطح ​الكرة الأرضية​، وليس فقط في لبنان..

محطة أولى، مسارعة بعض وسائل الإعلام التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى استغلال انتقال الفايروس إلى لبنان بوساطة مواطنين كانوا في زيارة للجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية، تبين أنهوا اصيبوا بمرض كورونا، حيث وصل بها الأمر حد اتهام إيران بتصدير المرض الى لبنان، والقول، اهكذا تكافئ إيران لبنان وتكون العلاقات بين البلدين.. في محاولة خسيسة وخبيثة للتحريض وإثارة العداء ضد ​ايران​ ومن خلالها ضد ​حزب الله​ الذي تربطه علاقة وطيدة معها..

وكان لافتا ان قناة ال أم تي في، قد عمدت إلى تخصيص احدى مقدمة نشراتها الإخبارية للقيام بمثل هذه الحملة المسمومة ما يشي ان هناك قرارا مدروسا جرى اتخاذه من قبل إدارة القناة في فبركة مثل هذا الاتهام المسموم، رغم ادراكها بأن الفايروس منتشر في العديد من الدول وانه انتقل الى لبنان عبر لبنانيين كانوا فيها.. وان الذين جاؤوا من ​إيطاليا​ ومصر وفرنسا هم الذين تسببوا بأكثر الاصابات في لبنان.. مما يكشف عدم مهنية صحافية وغياب الموضوعية والشفافية وحس المسؤولية الوطنية لدور الإعلام في مواجهة المحن ..

محطة ثانية، إقدام قيادات من ١٤ اذار ووسائل إعلامها، على استغلال المرض، لتوجيه هجوم واسع ضد ​الحكومة​ التي لها خصومة سياسية معها وتعمل على افشالها وعرقلة مهمتها في إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي وأزمته المالية الخطيرة.. و الإقدام على اتهام الحكومة بالتقصير والإهمال في مواجهة كورونا، والذهاب حد فبركة الاتهامات للقول انها لا تقوم بواجباتها وتحميلها مسؤولية انتشار الوباء في لبنان..

محطة ثالثة، وهي الأكثر قباحة وفظاظة وبشاعة، وتجسدت في الدعوة التي أطلقها رئيس حزب ​القوات​ لعزل مخيمات اللاجئين ال​فلسطين​يين و​مخيمات النازحين​ السوريين باعتبارهم مصدر لنشر الوباء، مما أظهر النزعة ​العنصرية​ المقيتة والكريهة التي يعكسها خطاب القوات وتماهيه مع خطاب العدو الصهيوني العنصري النازي، عدو لبنان وفلسطين وسورية، وكل العرب، عدا عن كون مثل هذا الخطاب يعكس أيضا استغلالا بشعا لمرض ​الكورونا​ للتحريض بهذا الشكل ضد الفلسطينيين والسوريين، ومحاولة إثارة الفتنة بينهم وبين اللبنانيين..

محطة رابعة، ظهور عدم وعي قسم من المواطنين، وسيادة جهل خطير لديهم في اتباع الإرشادات الطبية واخذ الاحتياطات ضد هذا الفايروس الخطير، بل ان ضربوا عرض الحائط قرار الحكومة بتجنب التجمعات والمناسبات الاجتماعية للحد من انتقال الوباء وانتشاره.. وكان الأكثر خطورة في هذا السياق أقدام عدد كبير من المواطنين على النزول إلى كورنيش البحر في ما يشبه التمرد على قرار الحكومة إعلان التعبئة العامة الصحية والتي تقتضي اخذ أقصى الاحتياطات لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره على غرار ما حصل في إيطاليا نتيجة الإهمال الاستخفاف في عدم اتخاذ الإجراءات الصحية..

ثانيا، على مستوى المسؤولية الوطنية والوعي في مواجهة المرض العابر للمناطق و​الطوائف​ والاحزاب والمعارضة والموالاة، كان هناك أيضا محطات مفصلية هامة..

محطة أولى، الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة، التي من حظ اللبنانيين انها تتكون من الأخصائيين الذين تصرفوا وفق للقواعد العلمية التي واكبت انتشار الوباء وتعاملوا معه منذ انتقاله إلى لبنان حسب ما توصلت اليه الأبحاث الصينية تباعا، مما جنب لبنان الانزلاق سريعا إلى ما وقعت فيه دول متقدمة مثل إيطاليا و​إسبانيا​ وحتى ​الولايات المتحدة​ من كارثة نتجية الاستخفاف بالتعامل مع هذا الوباء وعدم المسارعة الى اخذ الاحتياطات الصحية منذ البداية..

محطة ثانية، كلمة امين عام حزب الله سماحة ​السيد حسن نصرالله​ التي خصخصة لدعم إجراءات الحكومة و​وزارة الصحة​ والتعامل معها من منطلق العلم، وبالتالي ضرورة الالتزام بها لاسيما التوقف في هذه المرحلة عن العادات والمناسبات الاجتماعية من أفراح واحزان، من موقع الإيمان الذي يحض على العلم، وكان سماحته موفقا في توصيف وباء الكورونا بأنه بمثابة حرب تواجه لبنان و​العالم​ اجمع، وفي الحرب يتخذ الناس احتياطات أمنية لحماية أنفسهم من القصف والغارات الصهيونية، اما في مواجهة حرب كورونا فالمطلوب اتخاذ الإجراءات الصحية والاحتياطات التي تجنب الناس التعرض للإصابة بهذا المرض، وبالتالي التقليل من الضرر الذي يسببه بالناس، وحماية أرواحهم.. كما كان لافتا حرص السيد علي التحلي بالمسؤولية الوطنية وعدم استغلال المرض في سياق تصفية حسابات سياسية ونكايات سياسية، وأن المسؤولية الوطنية تحتم على الجميع وضع الخلافات والصراعات السياسية جانبا والعمل على درء هذا خطر هذا الوباء..

محطة ثالثة، الاستنفار الذي قام به رئيس ​التيار الوطني الحر​ وأعلن فيه التعبئة العامة في صفوف التيار للمساعدة إلى جانب الحكومة في مكافحة كورونا، حيث أعلن ​باسيل​ اثر اجتماع خصص لهذه الغاية، عن 10 إجراءات وعن تشكيل التيار للجنة طوارئ لمواجهة الكورونا! انطلاقا من مسؤوليته الوطنية التي تحتم عليه الاسهام في مكافحة هذا الوباء ودرء مخاطره عن جميع اللبنانيين، وذلك عن طريق الالتزام بالإجراءات ​الوقاية​، وتأكيده بلغة وطنية شاملة، بان دورنا كلبنانيين ليس التفرج، وإنما توحيد جهودنا ووضع أنفسنا في تصرف ​الدولة​ ودعم اي قرار تأخذه الحكومة..

محطة رابعة، إعلان الاحزاب ​القوى الوطنية​ وقف جميع الأنشطة واللقاءات ودعوة المواطنين للالتزام بتعليمات الحكومة التي تقوم بما عليها، ويبقى على جميع اللبنانيين والمقيمين الالتزام لانه بدون تعاون وتكاتف الجميع لا يمكن محاصرة الفايروس ومنع انتشاره وتجنب خطره.. ولهذا يجب التوقف عن أي مهاترات سياسية وإظهار التضامن والتكاتف الوطني في مواجهة الوباء الذي يهدد الجميع..

وفي موازاة هذه المواقف والجهود الوطنية لعبت العديد من وسائل الإعلام دورا ايجابيا توعيا لمواجهة الوباء..

خلاصة الكلام..

ان ما جرى يجب أن يشكل درسا وعبرة لجميع اللبنانيين لأجل الاقتداء بغيرهم من الشعوب التي تتكاتف في المحن، وتغلب المصلحة الوطنية والعامة على المصالح الخاصة والضيقة، وما صدر عن بعض القوى والإعلام من نشاز يجب أن يكون محط استنكار ورفض ومحاصرة من اللبنانيين لأنه يضر بهم ويلحق الأذى الفادح بحياتهم وأرواحهم. عدا عن كونه يحبط جهود الحكومة والقسم الباقي من اللبنانيين الذين تعاونوا مع الحكومة لمكافحة المرض وغلبوا المصلحة الوطنية، واتبعوا الإجراءات، لانه من دون تعاون الجميع يصعب تجنب خطر الوباء ومنع انتشاره.. فهل يتوقف الاستهتار والاستخفاف في التعامل مع وباء كورونا الخطير، ويتوقف المستغلون الذين يضعفون التكافل والتضامن الوطني في مواجهة هذا الوباء الذي يجتاح الجميع وهو بمثابة حرب نتعرض لها كما وصفها سماحة السيد حسن نصرالله..