ينشغل ​العالم​ حالياً بمواجهة فايروس ​كورونا​، من دون أن تعني ​الأزمة​ أنها أوقفت الحسابات السياسية والعسكرية، رغم التغيير الذي فرضه إنتشار الفايروس على المنظومات الإجتماعية في كل إتجاهات الأرض. لم يعد بمقدور عواصم القرار ان تفكّر بذات النمط الذي كانت تفرض فيه سياسات دولها ومصالحها. يمكن أخذ تجربة بسيطة الآن تدل برمزيتها عما هو آت: ​أوروبا​ العجوز تقفل حدودها وتحوّل دولها الى كانتونات جغرافية لمواجهة كورونا، في الوقت الذي منع فيه حليفها الأميركي مواطنيها من الوصول الى أرضه. بينما كانت ​الصين​ تُرسل بعثاتها، رغم نكبتها الصحّية، إلى ​اوروبا​ ودول العالم للمؤازرة في مواجهة فايروس كورونا. إنها علامات لافتة تدل على ​تفاصيل​ المرحلة المقبلة التي ستخلط فيها الدول حساباتها، لتخرج بكّين أكثر تمدداً شعبياً اممياً، وقبولاً اوروبياً وعالميا. لا سيما إذا نجحت الصين في إنتاج دواء لمكافحة كورونا ومعالجة المصابين.

في الإقليم، المتغيرات جذرية والتحولات تاريخية. توحي مستجدات ​الشرق الاوسط​ أنه إنتهى. دخلنا مرحلة تشكّل غرب آسيا، بوجود ركنين أساسيين: ​إيران​ و​تركيا​. من هنا كان حجم التنسيق الروسي-الايراني-التركي أبعد من ​سوريا​، والمواجهات في إدلب كانت تحت هذا السقف.

بعد تأمين المرحلة الثانية وفتح طريقي "أم فور" و"أم فايف"، اي الطرقات التي تصل الى حلب، او بإتجاه آخر من ادلب الى ​اللاذقية​، بدأت حشود ​الجيش السوري​ بالتحرك الى شرق ​الفرات​ بدءاً من جنوب الرقة، مما يعني استمرار "تطهير" ما تبقى من جيوب، وهذا يندرج في سياق تطور المواجهة المشتركة التي يخوضها الروس والايرانيون معاً، بإستثمار الوقت في ظل انشغال الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بالإنتخابات الاميركية التي بدأت مجرياتها نظرياً وعملياً قبل حصولها بأشهر.

الروس والايرانيون يريدون تحصيل ما يمكن لفرضه كأمر واقع بعد ​الانتخابات الاميركية​، وهنا يدخل التركي كحليف مع الروسي والايراني بتقاسم النفوذ في المنطقة، خصوصا بعد اجتماع زعيمي البلدين.

صحيح ان السعوديين حاولوا فرض ارباك الروس من خلال افتعال معركة ​النفط​، ولكن ​موسكو​ بالمقابل ستدفع بإتجاه حسم المعركة بصورة اشد، كما توحي المعطيات الميدانية، لا سيما ان ​الرياض​ تتعرض لضغوط عسكرية كبيرة في ​اليمن​، وكذلك ستتحول الساحة ​العراق​ية الى ساحة تصفية حسابات مع الأميركيين، بدليل الهجمات الأخيرة على ​قاعدة التاجي​ شمالي العراق.

قد يعتقد مراقبون أن فايروس كورونا شغل العالم، وجمّد خطوات الميدان، لكن الجبهات لا تزال مشتعلة. فلننتظر ماذا سيجري في الرقّة. كل المعطيات تفيد أنّ المعركة السورية مقبلة مع الكرد، لتفكيك الكيان الكردي، بمواكبة روسيّة بعد الإتفاق بين الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ والرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​. سيكون الكرد امام معركة المصير، بعدما اخطأت حسابات "​قوات حماية الشعب الكردي​" مجدداً، وساهمت في ضرب النسيج السوري الجغرافي والديمغرافي. متى؟ توحي التحضيرات ان المعركة السورية قريبة، وسيواكبها "المحور" في مسار تريده دمشق أن ينتهي سريعاً. فهل يسارع الكرد الى عقد تسوية مع دمشق تتيح إعادة المناطق التي يسيطرون عليها الى حضن ​الدولة​ السوريّة مع إمتيازات مقبولة؟. سبق ودارت مفاوضات بهذا الإطار، لكنها لم تنجح. كان الكرد يتفرجون على معطيات ​الشمال​ بين السوريين والاتراك من دون اي تدخل. الآن إختلفت المعادلة، وبات الكرد امام الاستحقاق الخطير الآتي اليهم. لن يكون بمقدور الأميركيين حمايتهم كما كانت تفعل ​واشنطن​ سابقاً. لأن ​الولايات المتحدة​ مشغولة الآن بإنتخاباتها سياسياً، وبكورونا صحياً، وبالكاد تردّ على الضربات التي تستهدفها في العراق.

كل المعطيات تؤكد ان المتغيرات المقبلة ستكون في كل إتجاه: اننا امام عالم ومجتمعات وإقليم جديد.