إذا كنت تمتلك مطعماً لبنانياً في ​أميركا​ وتجيد تحضير الحمّص والفلافل والفتوش فباستطاعتك أن تُكوّن مروحة واسعة من العلاقات العامة. يكفي أن "ترصد" زبوناً واحداً مهماً وتنال إعجابه لتصبح من المحظيين لديه ومن أصدقائه الخلّص والمقربين.

هكذا تعرّف عامر فاخوري على السياسي والمحامي اللبناني الأصل بيل شاهين، من خلال مطعمه في ولاية نيو هامشير الذي كان يتردد عليه الأخير باستمرار. و شاهين هو زوج السناتور الأميركية الديمقراطية عن ولاية نيو هامشير سينثيا جين باورز المعروفة بجين شاهين نسبة لعائلة زوجها، كما أنها عضو في لجنة المساعدات الخارجية التي يقع ضمن صلاحياتها إقرار المعونات والهبات للدول والجيوش الصديقة للولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى كونها من أنشط السياسيين وأقدمهم. وفي كل الأوقات، كانت من أشرس المدافعين عن استمرار تقديم المعونات والمساعدات السنوية للجيش اللبناني، ومن أشدّ المتصدين لزملائها في مجلس الشيوخ، وخاصة السناتور اليميني المتطرف ​تيد كروز​ الذي كان يدعو دوماً لوقف هذه المساعدات أو تحجيمها .

في ربيع 2018، امتحن عامر فاخوري النظام الأمني اللبناني، فأتت النتيجة إيجابية، بعد أن وجد اسمه على ​لوائح الشطب​، فانتخب في قلم ​بوسطن​ مرشحي ​القوات اللبنانية​ في دائرته الإنتخابية. واطمأن بأنّ الأمور تسير على ما يرام، وأنه لا يواجه أية مشكلة قانونية، وإلاّ لما أدرجت ​وزارة الداخلية​ اسمه على لوائحها الإنتخابية .

و بعد 4 محاولات فاشلة للاستحصال على ​جواز سفر​ لبناني عبر القنصلية اللبنانية في ​نيويورك​، ردّ ​الأمن العام​ بمنحه جواز مرور مؤقت (laissez passer) ما يعني أنه سيتعرّض للمساءلة فور دخوله الأراضي اللبنانية. وبغباءٍ منقطع النظير، قرّر العميل فاخوري السفر إلى لبنان بجواز سفره الأميركي، وهو يعلم بأن عدم موافقة الأمن العام على منحه جوازا لبنانياً، يعني بأن ملفه لم يُغلق بعد، وأن هناك مشاكل تنتظره في لبنان.

وفي الحادي عشر من شهر أيلول الماضي، غادر العميل فاخوري ​الولايات المتحدة​ ليصل لبنان في الثاني عشر ومن بعدها بيومين أوقفه ​الأمن العام اللبناني​. وفي الثامن عشر من أيلول، أي بعد خمسة أيام من توقيفه، عيّن الرئيس ​ترامب​ ​روبرت أوبراين​ المبعوث الحكومي لتحرير الرهائن الأميركيين حول ​العالم​ مستشاراً للأمن القومي مكان ​جون بولتون​ الذي كان قد أقصاه قبل أيام معدودة. وقبل أن يتسلم أوبراين مهامه في ​البيت الأبيض​، أجرى أول ​اتصال​ بالمسؤولين اللبنانيين ليسأل عن مواطن أميركي موقوف على الأراضي اللبنانية اسمه عامر فاخوري، وهو اتصال روتيني يقع في صلب المهام التي يمليها عليه منصبه وموقعه..

في ولاية نيو هامشير، تحركت السناتور الديمقراطية جين شاهين التي تربط زوجها صداقة بالعميل فاخوري، وحولّت اعتقال فاخوري إلى قضية وطنية أميركية عبر إثارة المسألة في الإعلام الأميركي. وتوزعت بنات الفاخوري الأربعة على وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية يطلبن التدخل لإطلاق سراح والدهنّ وينفين في الوقت نفسه التهم الموجهة إليه.

لم تكتف شاهين بذلك، وإنما شرعت بالتهديد والوعيد، وأوصلت رسالتها إلى الجهات المعنية في ​واشنطن​ و​بيروت​ بأنّها ستعمل على حرمان ​الجيش اللبناني​ من المساعدات السنوية، وبأنها ستعمل على إقرار قانون عاجل مشترك (أي بالتعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بما يضمن إقراره بالأغلبية) يعاقب ​الحكومة اللبنانية​ وجهات قضائية وأمنية وشخصيات سياسية على علاقة بتوقيف فاخوري وسجنه.

وبالفعل اتصلت شاهين بخصمها اللدود السناتور الجمهوري عن ولاية ​تكساس​ تيد كروز وعرضت عليه التعاون لإقرار القانون بأسرع وقت ممكن والعمل على "تحرير" العميل فاخوري. وقد عبرت عن استعدادها للتعامل مع الشيطان في سبيل ذلك، في إشارة للسناتور تيد كروز.

حتى ذلك الوقت، لم يكن الرئيس ترامب في صورة ما يحصل، فهو لا يعرف من هو عامر فاخوري والصورة التي التقطت لهما ليست إلاّ واحدة من ألاف الصور التي يلتقطها مواطنون أميركيون في المهرجانات الإنتخابية. في تشرين الثاني الماضي أطّلت السناتور شاهين على قناة "​فوكس نيوز​"، وتحدثت بشكل عاطفي ودرامي عن وجود "رهينة" أميركية في لبنان، "هذا البلد الذي نساعده وندعم جيشه وقدمنا له منذ عام 2005 مليارين وثلاثمائة مليون ​دولار​ من أموالنا ... وإذا لم يُطلق لبنان سراحه فيجب علينا أن نعاقبه ونوقف عنه المساعدات".

وصودِف أن ترامب (المولع بالفوكس نيوز ) كان يشاهد البرنامج الذي استضاف شاهين، وما أن أنهت السناتور الديمقراطية كلامها حتى أصبح عامر فاخوري محط اهتمام من قبل ترامب شخصياً، الذي وجد فيه عراضة انتخابية في موسم حافل بالمواجهات، ولسحب المبادرة من السناتور الديمقراطي التي ستصوت (لاحقا ) لعزله في مجلس الشيوخ، أوعز إلى وزير خارجيته ​مايك بومبيو​ بالعمل على إطلاق سراحه بأي ثمن. وتحرك مستشاره للأمن القومي روبرت أوبراين في هذا الاتجاه مستخدماً خبراته في قضية يعلم تفاصيلها من قبل .

ما حصل لا يرقى لمستوى صفقة أو ما يشبه عملية تبادل، فما حققه لبنان، كما تروي بعض الأوساط المواكبة للقضية، هو درءُ للخطر وللأسوأ، وإن كانت هذه الأوساط تأمل بأن يردّ ترامب "الخدمة" اللبنانية بتخفيف القيود ومساعدة لبنان على تخطي أزمته الإقتصادية والصحية .

ليس عامر فاخوري بالأهمية التي يصفه بها البعض على الصعيد الأميركي، فهو لم يأتِ إلى لبنان بمهمة "فوق العادة" أو كان يُحضّر لمشروع سياسي أو يسعى للقيام بعملٍ أمني أو استخباراتي، بالحد الأقصى هو مجرم متقاعد تعلّم الطهي في الولايات المتحدة، قاده غباؤه إلى مستنقع وعر وأنقذه شَرَه ترامب الانتخابي وفائض القوة الذي تملكه واشنطن اقتصادياً بمواجهة بلد تتقاذفه الأزمات وتتلاعب به أيدي السياسيين والفاسدين .

بعد 4 أيام في 24 الجاري، ستنعقد لجنة المساعدات الخارجية لإقرار المعونات التي ستقدمها الولايات المتحدة للدول الخارجية، ومن ضمنها سيتم التصويت على تحديد الميزانية المخصصة للجيش اللبناني (حوالي 200 مليون دولار)، السناتور شاهين كانت قد هددت بوقف هذه المساعدات. ربما ، هذا ما يفسر توقيت إطلاق سراح العميل فاخوري .