مع حُلول 12 آذار 2020، أَعلنت الصِّين الانتصار على وباء "كورونا المُستجدِّ"... فثبُت انتصار تنِّينها على "حصان كورونا" الطِّرواديِّ، إِذا ما انطلقنا من فكرة أَنَّ الوباء ​العالم​يَّ الَّذي انطلقت شرارته من الصِّين، أَتاها بواسطة "حصان طُروادة" العصر، وسط تبادُل اتِّهاماتٍ بين الصِّين القائلة إِنَّ اثباتات في حوزتها تُؤَكِّد "تورُّط" الولايات المُتَّحدة في إِيصال "حصان كورونا"، وأَخبارٍ وتحليلاتٍ إِعلاميَّةٍ غربيَّةٍ، تتَّهم الصِّين بأَنَّها هي من استقدم الحصان المشؤُوم، في مشهديَّةٍ مِن المعارك ​الاقتصاد​يَّة–التِّجاريَّة الطَّاحنة بين العملاقين الصِّينيِّ والأَميركيِّ، بدليل أَنَّ الصِّين خرجت أَقوى بعد النَّكبة الَّتي لم تقوَ على التنِّين الآسيويِّ الجبَّار!.

ويظنُّ الأَميركيُّون أَنَّ "الصِّينيِّين خدعوا العالم ب​فيروس كورونا​"... وبحسب الادِّعاء، فالأَميركيُّون والأُوروبيُّون "باعُوا أَسهمهم في شركاتٍ تكنولوجيَّةٍ ذات القيمة المُضافة العالية، بأَثمانٍ زهيدةٍ إِلى الحُكومة الصِّينيَّة"... وبحسب هذا التَّحليل، فإِنَّ الصِّين كانت على يقين بأَنَّ الغرب كان يبحث عن "ذرائِع للإِيقاع بالاقتصاد الصِّينيِّ وإفلاسه، فضحَّت ببعض المئات من مُواطنيها، بدلاً من التَّضحية بشعبٍ بكامله"... ومهما يكُن من أَمرٍ، فقد حصدت الصِّين في نهاية المطاف 20 مليار ​دولار​ في يومين اثنين فقط!.

قبل "كورونا" وبعدها

قبل "كورونا" كان أَكثر من نصف الأَرباح من الصِّناعات التِّكنولوجيَّة والكيميائيَّة الخفيفة والثَّقيلة على حدٍّ سواء، تُحال إِلى أَيادي المُستثمرين الأَجانب، لا إِلى الخزينة الصِّينيَّة، وهذا ما كان يُؤَدِّي إِلى انخفاض سعر صرف "اليوان"، بحسب الخُبراء الاقتصاديِّين.

غير أَنَّ الذَّكاء الصِّينيَّ الحادَّ، يُرجِّح–وخلافًا لأَيِّ تحليلٍ مُعاكس، أَنْ تكون الصِّين قد حوَّلت نكستها "الكورونيَّة" انتصارًا مُدوِّيًا يُساعدها في مُواصلة "طريق الحرير". وما يُعزِّز هذه النَّظريَّة، أَنَّ الإِشاعات الَّتي أُطلقت تزامُنًا مع انتشار "كورونا" -وهي في المُناسبة شبيهةٌ بما يُطلق عندنا في لُبنان- قد أَشَّرت إِلى وجود جهةٍ ما، تهدف إِلى الاستثمار السِّياسيِّ لتشويه صورة العملاق الصِّينيِّ. وفي هذا السِّياق تندرج الإِشاعات ومنها أَنَّ الصِّين "عاجزةٌ" عن شراء أَقنعةٍ واقيةٍ لمُواجهة "كورونا"، وأَنَّ "الرَّئيس الصِّينيَّ قال إِنَّه غير مستعدٍّ لإِنقاذ البلاد من الفيروس"...

إِلاَّ أَنَّ الصِّين الواثقة من قُدرتها على مُواجهة الوباء، عقدت العزم على شراء الأَسهم الغربيَّة المُتدنِّية الأَسعار، لتُحقِّق لاحقًا انتصارًا اقتصاديًّا مُدوِّيًا!. وبغضِّ النَّظر عن تراشُق التُّهم هذا، والتَّضارُب في التَّحليلات والمُعطيات... يبقى السُّؤال الأَبرز اليوم: ماذا بعد؟.

لقد خرجت الصِّين بعد "كورونا" أَقوى من أَيِّ وباءٍ يلفح بهوائِه وأَهوائِه شرقًا وغربًا، وأَقوى حتَّى من أَيِّ حربٍ بيولوجيَّةٍ–جُرثوميَّةٍ قد تُشنُّ عليها. ومن عوامل قُوَّتها أَيضًا، أَنَّها عرفت كيف تقي نفسها من وباء الفساد!.

وباء الفساد

ولم تكُن الصِّين لتتمكَّن مِن الانتصار على "كورونا"، لو كانت بُنيتُها هزيلةً... منخورة العظام بالفساد، مُتآكلة الموارد والقُدرات والإِمكانات!. غير أَنَّ لها تجربةً رائدةً في مُكافحة الفساد، ما سمح في مُواجهة وباء "كورونا" ببُنيةٍ مُؤَسَّساتيَّةٍ صلبةٍ، كفيلةٍ بالخُروج مُنتصرةً، ولو اجتمعت ضدّ الصِّين فيروسات الأَرض كلَّها... ومِن هذا المُنطلق قاد الرَّئيس الصِّينيُّ ​شي جين بينغ​ حملته الكبيرة الخاصَّة في هذا المجال، وشملت الآلاف من المسؤولين الكبار في "الحزب الشُّيوعيِّ"، والملايين في مُختلف المُؤسَّسات الحكوميَّة، إِذ إِنَّه يُؤْمن بأَنَّ "الفساد... مثل وباءٍ يُهدِّد حياة النِّظام".

وقد سبق وأَعلن "جهاز مُكافحة الفساد" أَنَّ السُّلطات الصِّنيَّة عاقبت نحو 1.34 مليون مسؤولٍ منذ 2013، في إِطار حملة مُكافحة الفساد... كما ونقلَت صحيفة "تشاينا ديلي"، عن أَرقام الهيئة، أَنَّ الصِّين أَعادت 1300 هاربٍ من الخارج، بينهم "347 مسؤولاً فاسدًا".

لقد أَيقن الرَّئيس الصِّينيُّ أَنَّ الحلَّ في ملفِّ الفساد الشَّائِك عنده، إِنَّما يبدأُ بتحسين نظام الإِدارة، والتَّخلُّص من الشَّركات الَّتي لا يُمكن إِصلاحها، مع الإِشارة إِلى أَنَّ الشَّركات العامَّة لَطالما كانَت تَحظى بالقُروض والتَّمويل الهائلِ من الحُكومة الصِّينيَّة... وبالتَّالي فقد بات على هذه الشَّركات أَنْ تندرج في الإِطار الوطنيِّ العامِّ للتَّنمية وأَنْ تُساهِمَ في ​تحقيق​ "الأَهداف المركزيَّة".

وفي المُقابل، فقد اعترف بعض دول الغرب، بعجزه عن التَّخلُّص من الفساد، وإِنْ كان في وِسعه "السَّيطرة عليه، وردِّه إِلى حدِّه الأَدنى". وإِذا أَرادت دولةٌ ما، التَّوصُّل إِلى بناء مجتمعِ الرَّخاء المُتوسِّط، فعليها أَيضًا بِالإِصلاحات الاجتماعيَّة، وإِلاَّ فستكون مسيرتُها في ​محاربة الفساد​، كالأَعرج الواقف على قدمٍ واحدةٍ...

إِنَّ الأَيَّام المُقبلة، ما بعد "كورونا"... تُنبئُ باستئناف المُبادرات الصِّينيَّة، في إِطار "التَّكافل الإِنسانيّ"، والبداية مع المُساعدات الطِّبيَّة إِلى إِيطاليا ولُبنان... وغيرهما من "رُفقاء طريق الحرير".