لن تكون جائحة ​كورونا​ عابرة في العالم. تدلّ كل المعطيات على أن التغييرات تحلّ تدريجياً، سياسياً وإقتصادياً ومجتمعياً. أكدّ الإنفتاح ​الصين​ي-الأوروبي المتبادل بين عملاق أصفر يتمدد، وعجوز أوروبي يفتح ذراعيه لتلقي المساعدة الصينية بعد الصفعة الأميركية التي وجّهت له، أنّ الشعوب ستحاسب حكوماتها بعد أزمة كورونا: هل صحّت تحالفاتكم الدولية؟ يبدو أن التقوقع الأميركي أصاب الأوروبيين الذين إلتزموا منازلهم في ​إيطاليا​ و​فرنسا​ يراقبون المؤازرة الصينيّة ​الإنسان​ية المفتوحة بصدق، في ظل تفرّج ​واشنطن​ عليهم، وإنشغال الولايات الأميركية بأزماتها لا غير. بينما سقطت التجربة البريطانيّة في مهدها إزاء معادلة "مناعة القطيع"، التي سيُحاسب البريطانيون حكومتهم على إعتمادها لاحقاً، بإعتبارها أنها إستخفّت بالإنسان، ودفعت بفكرة الدفاع عن البشرية إلى الهاوية.

هل يفرض الأوروبيون توجّهات سياسية جديدة بعدما قطّع فايروس كورونا أوصال قارتهم المتحدة؟ أحبطت الجائحة كلّ الفكرة الأوروبيّة الجامعة، فأبقت عملة ​اليورو​ حيّة فقط، لكن من دون جدوى إقتصادية متوقّعة في حال تمدّدت تداعيات كورونا، بعد الحجر والعزل ومنع التنقل والإعتماد على الإكتفاء الذاتي. وهنا يُمكن القول إنّ فكرة العولمة أُصيبت في جوهرها الآن، وستُنسف في حال تمدّدت أزمة الوباء لوقت طويل، وخصوصاً في العامل الإقتصادي، الذي يُصاب بكارثة تفرض تغيير النظم الإقتصادية العالمية حتماً: أولاً، لا عروض ولا طلبات خلال الأزمات، مما يعرّض الشركات الى إنهيارات مالية ضخمة.

ثانياً، تفقد الشعوب قدراتها الشرائية تدريجياً بسبب ​البطالة​ التي يفرضها التوقّف عن العمل في معظم القطاعات: سفر، سياحة، خدمات، ملبوسات، عقارات، بورصات، صناعات تقنية.

ثالثاً، تتعدّد الأزمات الماليّة العالمية، كما أظهرت تدابير الأميركيين والكنديين والاوستراليين بشأن التقشف في السحوبات المصرفية وحسم الفوائد، مما يؤكد أن نظمهم الماليّة لن تكون معافاة لوقت طويل.

رابعاً، يعزّز العزل التلقائي الذي تقوم به الشعوب، من إحتضار الإقتصاد العالمي الحالي، بغياب تنقّل وتواصل الناس.

خامساً، يطرح متخصّصون أفكار الإقتصادات المحليّة. لكن هناك إشكاليّة: ماذا عن الدول غير المكتفية ذاتيّا؟ ستقع الكارثة بشأن حاجاتها الضرورية، و خصوصا في المعدات التكنولوجيّة والطبيّة والدواء.

سادساً، في حال تمدّدت المساحة الزمنيّة لحياة كورونا، هل سيبقى الناس في منازلهم؟ فلنفترض ان عمر الأزمة تخطّى اكثر من سنة، وتدحرجت الى كارثة، هل ستصمد الشعوب، خصوصاً في الدول الفقيرة إقتصادياً، ك​لبنان​؟

سابعاَ، تؤكد كل المعطيات أن هناك سيناريوهات عالمية إقتصادية وسياسية جديدة ستولد، تشير اليها انهيارات البورصات، وأسعار ​النفط​، والعقارات.

لذلك يصف البروفسور العربي عماد شعيبي ما يجري بأنه "دمار عالمي" على مستوى الإقتصاد، يفرض إستنفار الأمم كما فعل الأميركيون بعد مواجهة "بيرل هاربر"، أو الروس بعد الرد على هجوم النازيين. ومن هنا يشبّه البروفسور شعيبي المرحلة بأنها "حرب عالمية ثالثة"، يموت فيها النظام الإقتصادي الآن.

لكن ما هي البدائل؟ وهل تحلّ بشكل تلقائي من دون حسابات دولية جديدة؟ كل المعطيات توحي بأن التغيير آتٍ، من دون إتضاح هويته. سيصمد الأقوى ليستمر، لكن المؤكد أنّ الصين التي تفوقت على أزمتها ستكسب مع حلفائها الروس، في قيادة مسار الكارثة العالمية نحو الإنقاذ المؤجّل.