اذا كان فصل الربيع و​عيد الأم​ متلازمَين من حيث المعنى، أي وهب ​الحياة​، فإنَّ الربيع يطلُّ علينا ناقصا هذه ​السنة​ لعدم تمكن البعض من تكريم امهاتهم بسبب هذا الوباء الفتاك الذي خلق مسافات بالمكان... صحيح أنَّ العائلة التي أبناؤها صغار السنّ مُجتمعة، إلَّا أنَّ البالغين والذين أطلقتهم الحياة في الوجود وجعلتهم يبتعدون عن والديهم بداعي العمل والواجب، قد لن يستطيعوا عيش هذه الذكرى بملئِها هذا العام...

برغم الظروف الصعبة الاقتصادية والمعيشية وتفشي ​فيروس كورونا​ إلَّا أنَّ الطبيعة لا تبالي بما يجري، وها هي تستعدُّ لتنفضَ عنها مشلحها الشتوي لترتدي الحلَّة التي يعبقُ شذاها من أشجارها ونباتها ورياحينها في كلِّ الأرجاء مُعلنًة بدء فصل جديد، فصل الحياة التي تأبى إلَّا أن تتجدَّد...

لنا في داخلنا ربيع مستمر مع كل إشراقة صباح، يجدد في داخلنا الشوق... وما هي الَّا الثقة التي في داخلنا التي تدفعنا إلى الاستمرار بالحياة...

وعيد الأم هو عيد التجديد، فهي التي تنبع من أحشائها الحياة مُكلَلة بالتضحية والعطاء والحنان... إنَّ عيدها هو عيدُ الأعياد وفرح البنين والمفكرين والشعراء الذين تغنوا بالأم هو ​عيد الحب​ الذي لا يشيخ هي منشأ الأوطان وفرح البيوت.

في خضمِّ ما نعيشه، نتلمَّس كل يوم هذه ​الولادة​، فكلٍّ منَّا يولد من جديد من رحم الألم والتجارب والصعوبات التي ثقلت علينا في هذه الأيام واصبحنا في بحث مُستجد عن علة وجودنا في هذه الحياة الزائلة، نعم فبقدر ما نصبرُ على الصعوبات نقوى على المواجهة والاكليل لا ينال إلَّا بعد الجهد والتعب والحرب الطويلة إن نفسيَّة وإن جسديَّة، ويقول القديس بولس: « َإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ هذا الْعَالَمِ، عَالَم الظُلْمَةِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» (أف ٦: ١٢)

إذا هذا التحدي الذي يواجهه عالمنا اليوم يلزمنا بولادة من نوع آخر، ولادة روحيَّة منبثقة من الله الذي جبلنا وأعطانا الحياة بواسطة أمنا البشرية التي نكرِّمها كل سنة في الواحد والعشرين من شهر آذار، علمًا أنَّها العيدُ، في كلَّ يومٍ يمرُّ من حياتِنا...

لا نتوقف... فنحن مدعوون كل يوم أن نعيش ربيعًا مُختلفًا من الداخل والخارج...

ومهما توالت الويلات يبقى عيد الأم بكل ما للكلمة من معنى، بريق الأمل الذي تحملنه أمهاتنا لعالمنا المؤلَّم، فهنَّ ذخيرة الحياة التي تنبض مع كلِّ ولادة جديدة في هذا الكون الفسيح.

مع معايدتي القلبيَّة لكل الأمهات>

*الأب شربل بوعبود

مدير ​المعهد الفني​ الانطوني ​الدكوانة