قبل اشهر قليلة كانت الشوارع تضج بال​لبنان​يين الذين غطّوها بأعدادهم المطالبة باستلامهم المبادرة والتخلي عن الطاقم السياسي القديم-الحالي، والاستعاضة عنه بطاقم جديد من الشعب. ولكن، عند اول استحقاق رسمي، شاء ان يكون قاتلاً وسلبياً جداً، وهو وباء ​الكورونا​، فشل اللبنانيون في اثبات انفسهم وقدرتهم على تولي المسؤوليّة، وبرهنوا (شريحة كبيرة منهم كي لا نشمل الجميع)، انّهم من اصحاب الكلام البعيد عن الافعال، وانهم يستهترون حتى بصحتهم وبصحّة من يحبّون من اقرب الناس اليهم، فكيف يمكن ائتمانهم على الوطن؟!.

من السخرية فعلاً ان يدعونا المسؤولون الى الحفاظ على حياتنا، وان يقوموا بإلزامنا اتباع التعليمات الواجبة لانقاذ انفسنا والمحيطين بنا من وباء قاتل، لم يرحم دولة ولا شعباً في العالم اجمع. لم نتّعظ مما حصل في دول اخرى اكثر تطوراً منا، ولم نجد في الارتفاع الهائل لضحايا هذا الوباء من حالات وفاة ومصابين، ما يستدعي منا الوعي والتنبه الى ان ما نواجهه ليس عدواً عادياً، وليس هناك من استراتيجية ناجعة لمحاربته الا بالابتعاد عنه وعدم التعرض له، وهذا لا يمكن حصوله الا عبر ملازمة المنزل وعدم الخروج الا في حال الضرورات القصوى، ايّ اكثر تحديداً لشراء المواد الغذائية والدواء.

فليسمح لنا كل من يلوم الدولة على تقصيرها، لانّ التقصير في هذه الحالة مشترك، ولو سلّمنا جدلاً ان ​مجلس الوزراء​ تأخّر في اتخاذ التدابير الاحترازيّة اللازمة (علماً ان دولاً عديدة غربيّة اشادت بالعمل الذي قام به لبنان لمواجهة كورونا)، فما هي ذريعتنا لاجتذاب هذا الفيروس القاتل الينا؟ هل اجبرتنا ​الحكومة​ على فتح ابواب منازلنا ودعوة الناس. هل اجبرتنا على الخروج والاختلاط بأناس لا نعلم ما اذا كانوا مصابين ام لا؟ هل اجبرتنا على عدم اتخاذ الاجراءات الوقائيّة المناسبة من غسل يدين وتعقيمها وكل المشتريات التي قد تحمل معها الفيروس قبل الدخول الى المنزل؟ وعلى الرغم من كل ذلك، لا زلنا افضل بكثير من العديد من الدول المتحضّرة التي باتت تتوسّل الحصول على بعض المعدّات والاجهزة الاساسية للحماية كالقفازات والكمّامات ووسائل التعقيم، كما اننا لم نستفد من "النعمة" التي عشناها لجهة المستوى المنخفض الذي بدأناه في معركتنا مع كورونا لجهة اعداد المصابين والوفيات، فأصرّينا على ان نزيدها دون منّة من احد لاعتبارنا اننا اقوى من الفيروس، وقادرون على التحدّي بقوة ساعدنا بدلاً من رجاحة عقلنا.

يمكن ان نلوم الحكومة على عدم توافر المساعدات الماديّة والاجهزة الطبّية اللوجستيّة والمستحضرات اللازمة لمقاومة الوباء، ولكن من الوقاحة فعلاً ان نلومها على عدم اعلان حال الطوارىء، فهل نحن شعب جاهل الى حدّ ان يُفرض علينا بالقوة الاعتناء بأنفسنا؟ ايّ عقل يتقبّل هذا الامر؟ اين كبرياؤنا وعلمنا وعزّتنا؟ اين عقلنا وحبّنا للحياة؟ يحسب للحكومة قيامها ببادرة جيدة تمثّلت في زيادة سرعة وكميّة استهلاك الانترنت المنزلي، كما الزامها شركتي الخليوي على تقديم باقة من الايام وحجم الانترنت للهواتف الخليويّة مجاناً، وهي من المرات النادرة جداً التي نشهد فيها مثل هذه الخطوة، ولو انها لا تزال بعيدة عن التقديمات المطلوبة والمعمول بها في مختلف انحاء العالم، انما لا يجب اغفال ما حصل، وذلك لحثّ الناس على ملازمة منازلهم واستعمال التكنولوجيا للتعويض عن النقص المفروض بسبب كورونا.

فلنكفّ عن البحث عمّن نلقي اللوم عليه، لانّه اذا كان الآخر يلام بنسبة 10 في المئة، فنسبة الـ90 في المئة الباقية تقع علينا، واذا لم نكترث نحن لصحتنا وحياتنا، فبأيّ حق نلوم الآخرين على عدم اكتراثهم؟ لا نفع لتعبئة عامة او حتى لحال طوارىء اذا لم نتحمل مسؤوليّة حماية انفسنا ومن نحب.